وما أظنه أقدم على ذلك إلا في موضعين - هذا أحدهما - ومن عجيب شأن ابن منظور أن تستوقفه هذه المبالغات الشعرية فيقدم على التغيير، ولا تستفزه تخرصات المنجمين وأدعيتهم، فيبقيها على حالها.
ولكن ما فعله ابن منظور لم ينقذ الكتاب من التكرار بوجه كلي، ولا جعله حسن التبويب، فضم الحديث عن الاغتباق ومدحه وذم الاصطباح مع وصف الليل (الباب الثاني من الجزء الأول) ثم تخصيص باب لمدح الاصطباح وذك وشرب الليل بعده لا يدل على منطق في التقسيم بل الأولى أن يخصص للاصطباح والاغتباق في حالي المدح والذم باب مستقل؛ ومن تصفح فهرس المحتويات أمكنه أن يرى الاضطراب واضحاً في بعض الفصول (١) ، حتى ليمكن أن يقال أن ابن منظور أحسن حقاً باستنقاذ الكتاب، إذ كان من أقدر على قراءة خط التيفاشي، ولكنه لم يعفه من التحكم المخل، والتعسف الضار.
[٤ - مصادر الكتاب]
لو وصلتنا المجلدات العشرة التي اختصرها ابن منظور من فصل الخطاب وسماها سرور النفس، كلنا البحث عن مصادر المادة فيها أمراً بالغ العسر، لتعدد الموضوعات وتنوعها، فإن يكتب موسوعة شاملة لا غنى له عن الاستكثار من المصادر؛ غير أن الجزءين اللذين بقيا من ذلك الكتاب متقاربان في الموضوع، فهما يتناولان الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب جملة والفصول والبرق والرعد والمطر والرياح والنار، يتناولان هذه الموضوعات على مستويات مختلفة: على المستوى العلمي والأدبي شعراً ونثراً، وعلى المستوى شبه العلمي، وعلى المستوى اللغوي والديني، وهكذا. ولا ريب أن هذه الموضوعات الكبرى التي يتناولها الكتابان تتفرع إلى موضوعات دقيقة، وترتبط بموضوعات لاحقة، وهكذا يتسع الموضوع أمام المؤلف فتتعدد المصادر، إلا أنه لا يصرح دائماً بأسماء الكتب التي يعتمدها؛ ففي التفسير يشير مثلاً إلى السجاوندي والحوفي وابن فورك، ولكن لا ندري في بعض المواطن إلى أي حد يعتمد كتاباً له التفسير لم يصلنا، ثم على من يعتمد في ذلك الكتاب نفسه. ورغم حاجته الماسة إلى كتب لغوية، فإنه لا يذكر منها إلا سر
(١) انظر مثلاً المواد التي أدرجت في الفصل الخامس من نثار الأزهار.