تروى وتظمأ أحياناً وما عرفت ... كغيرها طَعْمَ مأكولٍ ومشروب
يميتها القرُّ في المشتى ويُنْعِشُها ... حرُّ الهجيرِ بترجيع وتأويب
نواظبُ الغُسْلَ عن طُهْرٍ وما ارتكبت ... يوماً مباضعةَ الشبان والشيب
في ذيلها ديمةٌ في الصيفِ ساكبةٌ ... بالقَطْرِ والقطرُ فيه غير مسكوب ٣ - الخريف:
٦٥١ - سمي (١) خريفاً لأن الثمار تُخْرَفُ فيه أي تجنى وتقطع، ومنه اشتق الخَرَفُ للشيخ، وهو ذهاب العقل، كأن عقله انقطع. وقال أبو حنيفة: لم يذكر أحد من العرب الخريف في الأزمنة لأن الخريف عندهم ليس اسماً للزمان، وإنما هو اسم لأمطار أواخر الشتاء.
ووصف عليّ بن حمزة الخريف فقال: الخريف ثمرة الربيع، كالشجرة التي تُثْمِر ولولا الثمرة لم تكن في الشجرة منفعة.
وفي الخريف تحصل أصناف ما يتمول، وتدَّخر أقوات الخلائق الممسكة لأرواحها إلى الخريف القابل، وفيه يكون الزعفران، وله على جميع أنوار الربيع فضل، وله ورد يطلع كنصل السهم وقرن الخشف، في لون الياقوت الأزرق واللازورد المشُوف كالعيون الشهل وأعراف الطواويس، يتفتح عن شعر كخطوط الذهب وكشرر نار تلوح من حدائق البنفسج كألسن الحيات المنضنضة، ويطلع ورد الزعفران البري في السنة مرتين، غير أن البري ليس له زعفران ولا حشيش، وفيه يُجْتنى النخل وتحرز أعسال النحل وتقطف الأعيان التي فيها المنافع، وتُجْنى الأقطان التي قيها لباس الناس وزينتهم أحياء وسترتُهم أمواتاً، وفيه يقطف اللوز والجوز والعناب والزعرور وغير ذلك، وفيه تتناكح ذوات الأظلاف الانسيّة والوحشية، وفيه مطارح البزاة وسائر الجوارح، وفيه الأترجُّ وأوراقه، وله ورد كالفاغية وينفتق عن مثل خرز الزبرجد، ويعظم وتُشْرَبُ خضرته صفرةً، فإذا خلصت الصفرة صار كقلالٍ ظاهرها ذهب وباطنها فضة. فيها حبّ كاللؤلؤ والمرجان، وقشره ينفع الممعود، وله إذا عُرِكَ أريجٌ ذكي، ويستخرج منه دهنٌ أذكى من الند، وله حماض لذيذ يطيب للمقرور وينفع المحرور، وإذا تصرمت الرياحين في البساتين فالأترجّ غضٌّ طري، وقد اجتمع فيه وفي العنب الطبائع الأربع.