فأنشأته قطعاً ثمَّتَ ما ... زال وما زالتْ به حتى اتصل
وطأطأتْ للأرض من أكنافه ... وسدَّدَتْ منه الفروجَ والخلل
حتى إذا كان بعيداً فدنا ... وكان في السير خفيفاً فثقل
وأسمع الأصمَّ صوتَ رعده ... ووقَّر السمعَ الصحيح أو أَعَلّ
وأبصر الأكمهُ ضوءَ برقه ... وخطف الطرفَ الحديدَ أو أكل
وضنَّ حتى قيل هذا حاصبٌ ... من السماءِ أو عذابٌ قد نزل
ونحن مصنوعٌ لنا مدبَّرٌ ... فيه ولكنّا خلقنا من عجل
حُلَّتْ عزاليه بسرَّ من رأى ... فلم يزلْ يُعِلُّها بعدَ النهل
إذا تلكا هتفَ الرعدُ به ... ولمعتْ فيه البروقُ فهطل
ليلَ التمامِ والنهار كلَّه ... متصلاً من غدوة حتى الأصل
فما ونى حتى اتقى الناسُ أَذّى ... إفراطِهِ وقالتِ الأرضُ بَجَلْ ٨٢٨ - البحتري (١) :
ذاتُ ارتجازٍ بحنينِ الرعدِ ... مجرورةُ الذيلِ صدوقُ الوعدِ
مسفوحةُ الدمع لغيرِ وجد ... لها نسيمٌ كنسيم الورد
ورنّةٌ مثلُ زئيرِ الأُسْدِ ... ولمعُ برقٍ كسيوفِ الهند
جاءَتْ بها ريحُ الصَّبا من نجدِ ... فانتثرتْ مثل انتثار العقد
فراحتِ الأرضُ بعيشٍ رَغْدِ ... من وشي أنوارِ الربى في برد
كأنما غُدْرانها في الوهدِ ... يلعبنَ من حَبَابِها بالنَّرْدِ ٨٢٩ - أبو العباس الكندي:
ساريةٌ في غَسَقِ الظلامِ ... دانيةٌ من فَلَكِ الغمامِ
كأنها والبرقُ ذو ابتسام ... كتيبةٌ مُذْهَبَةُ الأعلام
دَنَتْ من الأرضِ بلا احتشام ... ثم بكتْ بكاءَ مستهام
وانتثرتْ بسابغ الإنعام ... وثروةٍ تَحْكُمُ في الإِعدام ٨٣٠ - آخر:
أَقبل كالذَّوْدِ رغت شواردُهْ ... حتى إذا ما أبحرتْ رواعدُهْ
(١) ديوان البحتري: ٥٦٧ وتشبيهات ابن أبي عون: ١٦٠ ونهاية الأرب ١: ٧٨.