جمال المخطوطة وشجعني على العمل فيها، ولكني ما كدت أتوغل في شعابها حتى وجدت التصحيف والحذف والوهم غالبة عليها، وقد كنت بدأت العمل فيها في بيروت سنة ١٩٧٤ وبعض ١٩٧٥، فلما شاء الله لي أن أسافر إلى برنستون بالولايات المتحدة لأعمل أستاذاً زائراً في جامعتها، حملت أوراق هذا الكتاب بين ما حملته معي من أوراق، وأكملت العمل فيها، بل الحق أني استأنفته، إذ استعنت بمكتبة تلك الجامعة في الحصول على مصادر لم تكن متوفرة لدي؛ ومع الزمن رأيت أن الكتاب بدأ يستوي نصاً بقراءته على المصادر المختلفة، ولولا ذلك لم أستطع أن أقدمه للقراء؛ على أني أعتقد أن هناك مواطن ما تزال قلقة، وأسماء أعلام لم أستطع الاطمئنان إلى صحتها ومن ثم إلى التعريف بها، وشعراً لم أعثر عليه في المصادر، رجاء توثيق النص وضبطه، رغم كل ما بذلته من جهد خلال ما يزيد على ست سنوات، كان هذا الكتاب في أثنائها محط عناية مستمرة، تكاد لا تنقطع إلا بسفر طارئ أو شغل ملح.
وقد كان منهجي في التحقيق - كما هو منهجي في أغلب ما حققت - أن أثبت وجه الصواب في المتن، وأن أدرج القراءة المحتملة في الحاشية؛ وأن لا أعبأ بالخطأ الواضح، إلا إن كانت الإشارة إليه استدراجاً للقارئ بأن يقترح وجهاً أصوب. وحتى لا يتشكك القارئ في حقيقة ما أعنيه بالخطأ الواضح، أذكر له أمثالاً منه وردت في الصفحة ٢٠ من الأصل في أبيات من معلقة امرئ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليقتل
فقلت له لما تمطى بصلته ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
فيالك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار الفتل سدت بيذبل
كان الثريا علقت في مضآيها ... بامراس كان إلى صم جندل هذه خمسة أخطاء كتابية: فهل من المعقول أن أصححها ثم أثبت الخطأ في الحاشية؟ أنا أجد فعل ذلك استخفافاً بوقت القارئ وبجهد الطابع، وكشفاً عن سوء تقدير لدى المحقق؛ فليعذرني الذين لا يعجبهم هذا المنهج، إن كنت أسأت إلى ما يعتقدون صواباً.
وقبل أن أختم القول في هذه المقدمة، أرى حقيقاً علي أن أتوجه بالشكر لاثنين من أصدقائي، أولهما الدكتور رضوان السيد الذي أعانني في حل بعض ما