للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٣٠ - وللشيخ شرف الدين المصنف:

ويومٍ سرقناهُ من الدهر خلسةً ... بل الدهرُ أهداه لنا متفضّلا

أشبهه بين الظلامين غُرَّةً ... لحسناءَ لاحت بين فرعين أُرسلا ١٣١ - والحكماء يمدحون الليل والاشتغال فيه، قال بعضهم لابنه: يا بنيّ اجعل نظرك في العلم ليلا، فإن القلب في الصدر كالطير، يننشر بالنهار ويعود إلى وكره في الليل، فهو في الليل ساكن، وما ألقيت إليه من شيء وعاه.

وقال بعضهم: في الليل تجمّ الأذهان، وتنقطع الأشغال، ويصحّ النظر، وتؤلف الحكمة، وتدر الخواطر، ويتسع مجال القلب، والليل أجرى في مذهب الفكر، وأخفى لعمل البر، وأعون على صدقة السر، وأصحُّ لتلاوة الذكر. وأرباب الأمر يختارون الليل على النهار لرياضة النفوس، وسياسة التقدير في دفع الملمّ، وإمضاء المهمّ، وإنشاء الكتب ونظم الشعر وتصحيح المعاني، وإظهار الحجج وإصابة غرض الكلام، وتقريبه من الأفهام، وفي الليل تتزاور الأحباب، وتتهنأ بالشراب، وتكمل الاطراب، وتغيب الرقّاب وتغلق في أوجه الأضداد الأبواب، ولا يمكن فعل شيء من ذلك كله في النهار، لاستجلاب الظنة بالاستتار.

١٣٢ - وكان (١) ابن المعتز لا يشرب إلا ليلاً ويقول: الليل أمتع، لا يطرق فيه خبر قاطع، ولا شغلٌ مانع والنهار أبرص لا يتم فيه سرور.

ونظم ذلك كشاجم فقال (٢) :

اتخذِ الليلَ جَمَلْ ... ما حُمِّلَ الليلُ حَملْ

آمن فيه طارقاً ... يَشْغَلني عن الشُّغُل ١٣٣ - كان يحيى (٣) بن خالد ولّى ابنه الفضل خراسان، فبلغه عنه إقبال على القصف واهمال للرعية، وتفقد أعماله فوجدها مختلّة، فكتب إليه: بلغني عنك إقبال على القصف واهمال لأمورك، وقد يهفو ذو الفطنة، ويزلّ الحليم ثم يرجع


(١) محاظرات الراغب ١: ٣٣٧ (ط. مصر ١٣٢٦) .
(٢) ديوان كشاجم: ٤٢٨ ومحاظرات الراغب ٢: ٧٠٨ (بيروت) .
(٣) انظر ابن خلكان ٤: ٢٨ والمنتخل: ١٩٠ والفاضل للوشاء ١: ١٣٢ وربيع الأبرار، الورقة: ٣٥٥ ب والدميري ٢: ٦٥ ومحاضرات الراغب ٢: ٧٠٩ والأبيات في جمهرة العسكري تحت المثل: " الليل أخفى للويل ".

<<  <   >  >>