فأمر رسول الله ﷺ أن لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة. ونهض المسلمون، فوافاهم وقت العصر في الطريق، فقال بعضص المسلمين: نصلي، ولم نؤمر بتأخيرها عن وقتها. وقال آخرون: لا نصليها إلا حيث أمرنا رسول الله ﷺ أن نصليها. فذكر أن بعضهم لم يصلوا العصر إلا ليلاً؛ فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فلم يعنف من الطائفين أحداً.
أما التعنيف فإنما يقع على العاصي المتعمد المعصية وهو يعلم أنها معصية؛ وأما من تأويل قصداً للخير، فهو وإن لم يصادف الحق غير معنف؛ وعلم الله تعالى أننا لو كنا هناك ما صلينا العصر في ذلك اليوم إلا في بني قريظة ولو بعد أيام (١)؛ ولا فرق بين نقله ﷺ صلاةً في ذلك اليوم إلى موضع بني قريظة، وبين نقله صلاة المغرب ليلة مزدلفة، وصلاة العصر من يوم عرفة على قوت الظهر، والطاعة في ذلك واجبة.
رجع الخبر: فأعطى رسول الله ﷺ الراية عليّ بن أبي طالب ﵁، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، ونازل رسول الله ﷺ حصونهم، فأسمعوا المسلمين سب رسول الله ﷺ، فلقي على رسول الله ﷺ، فعرض له بأن لا يدنو منهم من أجل ما سمع. فقال له رسول الله ﷺ: لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً. فلما رأوا النبي صلى الله
(١) نقل ابن كثير في البداية والنهاية ٤: ١١٨ قول ابن حزم هذا، ثم قال فقي التعليق عليه: " وهذا القول منه ماش على قاعدته الأصلية في الأخذ بالظاهر ". وقال السبيل ٢: ١٩٥ " إن فهم هذا الأصل عسر على الظاهرية، لأنهم علقوا الأحكام بالنصوص، فاستحال عندهم أن يكون النص يأتي بحظر وإباحة معاً ".