من قالها وعمل بضدها وخلافها من الشرك فهو الكافر، وكذلك من قالها وارتد عن الإسلام بإنكار شيءٍ من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه ولو قالها ألف مرة، وكذلك من قالها وهو يصرف أنواعًا من العبادة لغير الله كالدعاء، والذبح، والنذر، والاستغاثة، والتوكل، والإنابة، والرجاء، والخوف، والمحبة، ونحو ذلك، فمن صرف ما لله -عز وجل- من العبادات لغير الله، فهو مشركٌ بالله العظيم ولو نطق بلا إله إلا الله، والسبب في ذلك أنه لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص الذي هو معنى لا إله إلا الله.
ومعنى لا إله إلا الله: أنه لا معبودًا حقٌّ إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له، والإله في اللغة هو: المعبود، ولا إله إلا الله أي: لا معبودًا حقًٌّ إلا الله، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء: ٢٥).
وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(النحل: من الآية: ٣٦).
فتبين بذلك أن معنى الإله وهو: المعبود، وأن لا إله إلا الله معناها: الإخلاص العبادة لله وحده واجتناب عبادة الطاغوت؛ ولهذا لما قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لكفار قريش: قولوا لا إله إلا الله قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(ص: ٥).
وقال قوم هود لنبيهم -عليه السلام- لما قال لهم: قولوا لا إله إلا الله {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}(الأعراف: من الآية: ٧٠) قالوا ذلك وهو إنما دعاهم إلى لا إله إلا الله؛ لأنهم فهموا أن المراد بها نفي الألوهية عن كل ما سوى الله، وإثباتها لله وحده لا شريك له، فلا إله إلا الله اشتملت على نفي وإثبات، وتأمل يا طالب العلم هذا الأمر: فلا إله إلا الله تشتمل على ركنين، تشتمل على النفي والإثبات، فالنفي هو نفي الإلوهية عن كل ما سوى الله تعالى، فكل ما سوى الله من الملائكة والأنبياء فضلًا عن غيرهم فليس بإله، وليس له من العبادة شيء، وهذه الكلمة العظيمة أثبتت الإلهية لله وحده، بمعنى أن العبد لا يأله غيره أي: لا يقصده بشيءٍ من التأله، وهو تعلق القلب الذي يوجب قصده بشيءٍ من أنواع العبادة كالدعاء، والذبح، والنذر، وتشتمل أو تتضمن هذه الكلمة بعد النفي نفي أي شريك مع الله -عز وجل- أو التوجه بأي عبادة إلى غير الله -عز وجل- تثبت هذه الكلمة العبادة الحقة لله وحده دون سواه؛ لأنها نفت الألوهية عن كل ما سوى الله، وأثبتت الألوهية لله وحده، لا إله نفي لجميع المعبودات الباطلة، وإلا الله أثبات لعبودية وألوهية الله الحق جل في علاه.