للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الأمر على بشر من بينهم، وتختلط عند الناس في هذا الأمر كثير من الأفكار المضطربة والعواطف المتضاربة من الغيرة والحسد إلى عظمة الأمر واستكثاره على إنسان أن يستقل به، وينفرد دون سائر الناس فقد كذب اليهود بكل المعجزات التي جاءهم بها أنبياؤهم، وهي معجزات قاهرة مبصرة، فموسى -عليه السلام- قد فلق بهم البحر، ونجاهم من فرعون، وفجَّر لهم من الحجر عيونًا يستقون منها ويحيون عليها، وأنزل عليهم المن والسلوى، ومع هذا فلم يروا في ذلك كله دلائل صدقه؛ فقالوا له: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} (البقرة: ٥٥).

وهذا يبين شدة عنت اليهود، وأنهم قوم -كما قال الله عنهم في كتابه- يكذبون الأنبياء والمرسلين ويقتلونهم كذلك.

وعيسى عليه السلام جاء بالمعجزات التي أنطقت الجماد وأحيت الموات، فلم يكن فيها لليهود مقنع، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- جاء إلى قريش بالمعجزة الخالدة، فأسمعهم آيات الله التي أخذت بمجامع القلوب، واستولت على عقولهم، فما أذعنوا للحق ولا استجابوا له؛ وإن يكونوا قد عرفوه واستيقنوه، قال تعالى عنهم: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولًا} (الإسراء: ٩٠: ٩٢).

ولا شك أن هذا الموقف الذي يقفه الناس من معجزات الرسل هو موقف لم يحتكم فيه الناس إلى عقولهم، بقدر ما كانوا يحتكمون إلى أهوائهم الغالبة وعاداتهم المتحكمة، وإذا كان كثير من الناس لم يصدقوا بمعجزات الرسل، ولم ينتفعوا بما حملوا إليهم من خير وهدى؛ فإن كثيرًا من الناس أيضًا قد صدقوا الرسل، وآمنوا بما معهم، وانتفعوا به واستقاموا عليه، وقليل في الناس أولئك

<<  <   >  >>