الصلاة والإدارة والقيادة والسياسة، وكان من وظائف المسجد الهامة تنمية المجتمع، وهي وظيفة عامة شاملة، وهو بهذه الوظيفة قائدُ التغيير والتطوير والتقدم، والداعي إلى الصلاح والإصلاح للأحوال الاجتماعية والاقتصادية والصحية والثقافية والسياسية، فهو بهذا ضرورة دينية اجتماعية ودنيوية، وهو منتدى طاهر وظاهر وضاء، لا إثم فيه ولا فجور، ويسمو بكل هذا على نوادي أو منتديات العصر الحاضر.
وهذه الوظيفة -تنمية المجتمع- متنوعة المسالك، لها مثيل من عمل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وإن لم تعرف في عهده الشريف بهذا العنوان السائد الآن في علم الاجتماع، ففي المسجد كانت الأموال توزع على المستحقين من الفقراء، وفي المسجد كان يوجد مكان أهل الصفة، أي: أولئك الفقراء الذين لا مأوى لهم ولا مورد.
ولقد امتدت مكانة المسجد ووظائفه منذ كان الإسلام، وتتابعت حاجات المسلمين، فاشتهرت بعض المساجد في أقطار مختلفة بأن صارت جامعات الإسلام، فآوى إليها الطلاب؛ رغبةً في العلوم المختلفة في الدين والشريعة واللغة والطب، وغير هذا مما علمه الله الإنسان.
وعلى تعاقب الأجيال، وانعقدت حلقات العلم، ورصد المحسنون من المسلمين الأوقاف على طلاب العلم، فكانت المساجد أهم المراكز الثقافية في العالم الإسلامية؛ بل في العالم أجمع.
فهذا الحرم المكي، وهذا الحرم المدني، وهؤلاء شيوخ الحرمَين الذين فاقت شهرتهم في العلم وذاعت، وهذا مسجد عمرو بن العاص بمدينة الفسطاط بمصر، وفيه جلس الإمام للشافعي للعلم، وهذا جامع قرطبة الذي توافد إليه طلاب أوربا وإفريقيا، مسلمون وغير مسلمين.