للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: {مِنْكُمْ} هنا: ليس معناه التبعيض؛ بل معناه: ابتداء الغاية، كما هو معلوم في القواعد، أي: لتكونوا أمة يدعون إلى الخير، كما أقول لك مثلًا: ليكن منك رجل صالح، أعني: لتكن أنت رجلًا صالحًا، وجاء أيضًا قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} أي: هذه صفتكم، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله.

ومعلوم أن الموصوف بصفة بها لا يكون موصوفًا بها؛ إلا إذا كانت ملازمة له، فإذا انفكت عنه؛ لم يوصف بهذا الوصف، ومعنى هذا: أن الأمة الإسلامية لا تكون خير أمة إلا بتحقيق هذه الأوصاف الثلاثة الآنفة.

وكذلك جاء قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} والشهادة على الناس من لوازمها العلم بما عند الناس وإقامة الحجة عليهم، ولا تقوم الحجة إلا بالعلم والدعوة والجهاد والصبر.

وهكذا عبأ القرآن الكريم المؤمنين جميعًا للجهاد والدعوة، وحمل كل مسلم أمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكم على الذي لا ينكر المنكر بوسيلة من وسائل الإنكار الثلاث: اليد واللسان والقلب، أنه ليس على شيء من الدين؛ بل جرده من أقل الإيمان المنجي من عذاب الله، وهو مقدار حبة الخردل، وبهذا جعل الله -سبحانه وتعالى- من كل فرد آمن مع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- داعية، ولم يحتج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى أن يجعل فئة خاصة تتولى هذا الأمر.

وهذه التعبئة الإعلامية جعلت من كل فرد حارسًا للشريعة، وقائمًا بأمر الله -سبحانه وتعالى- ويقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن عليكم ذلًا فلا يرفعه عنكم؛ حتى تعودوا إلى دينكم)) فجعل الذل نتيجة ترك جهاد

<<  <   >  >>