للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم عقولهم لما كانوا عليه في الدنيا من تتبع للأثر والحديث واتباع لكتاب الله، وهدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

فلما كان من يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول لساعتين من النهار توفي -رحمه الله تبارك وتعالى، وهذا يدل على أنه -رحمه الله- مات في ربيع الأول، وكان هذا في يوم جمعة.

وقال المروزي: مرض أحمد تسعة أيام، وكان ربما أُذِن للناس فيدخلون عليه أفواجا يسلمون ويرد بيده، وتسامع الناس، وجاءه حاجب بن طاهر فقال: إن الأمير يقرؤك السلام، وهو يشتهي أن يراك، وقال: هذا مما أكره، وأمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره.

قال أي المروزي: وأصحاب الخبر يكتبون بخبره إلى العسكر -يعني إلى الناس- يعلمونهم بمرضه، وشأنه وحاله -رحمه الله- والبرد تختلف كل يوم، وجاء بنو هاشم فدخلوا عليه، وجعلوا يبكون عليه، وجاء قوم من القضاة وغيرهم فلم يؤذن لهم، ودخل عليه شيخ، فقال: اذكر وقوفك بين يدي الله، فشهق أبو عبد الله، وسالت دموعه، فلما كان قبل وفاته بيوم أو يومين قال: ادع لي الصبيان بلسان ثقيل، قال: فجعلوا ينضمون إليه، وجعل يشمهم ويمسح رؤوسهم وعينه تدمع، وأدخلت تحته الطست هكذا، يقول ابنه -رحمه الله- فرأيت بوله دمًا عبيطًا، يعني: طريًّا، فقلت للطبيب: هذا الأمر ما هذا؟ فقال: هذا رجل قد فتت الحزن والغم جوفه.

واشتدت علته يوم الخميس، ووضأته فقال: خلل الأصابع، فلما كانت ليلة الجمعة ثَقُل، وقبض صدر النهار، فصاح الناس، وعلت الأصوات بالبكاء، حتى كأن الدنيا قد ارتجت، وامتلأت السكك والشوارع.

<<  <   >  >>