ولا شك أن المسلم يسره ويرضيه أن تصير أمواله إلى ورثته من بعده وفقًا لهذا التقسيم الشرعي العادل.
وأيضًا حق الإرث يدفع إلى أمرٍ آخر -ألا وهو بذل المزيد من النشاط والجهد- وهذا أمر واضح؛ لأن الإنسان في حياته لا يعمل لنفسه فقط، وإنما لمن يهمه شأنهم من أفراد أسرته أيضًا، فالإنسان يكد ويتعب ويجتهد في حياته ويعمل؛ ليسد حاجات أهله ومن يعول، وكما أنه يعمل لتوفير حاجاتهم الحاضرة، فكذلك يبذل أيضًا جهدًا آخر؛ لتوفير ما يسد حاجاتهم في المستقبل؛ فإن بقي في قيد الحياة تولى الإنفاق بنفسه عليهم، وإن مات هو تولوا هم بأنفسهم الإنفاق من أمواله التي تركها لهم.
وعلى هذا فإذا مُنِعَ التَّوَارُثُ؛ فإن الإنسان تضعف همته في العمل، ويقل نشاطه الاقتصادي؛ لأنه يعلم أن ثمرة جهده لا ترجع إلى أفراد أسرته الَّذِينَ يَهْتَمُّ بِأَمْرِهِمْ، ولا شك أن المجتمع سيخسر كثيرًا من فتور الناس عن العمل، ومن ضعف دوافعهم على بذل كل ما يستطيعون من جهدٍ ونشاطٍ اقتصادي.
ومبدأ الميراث يحقق في الحقيقة ضمانًا اجتماعيًّا داخل الأسرة؛ لما يوفره من أموالٍ تعود إلى الأحياء منهم إذا مات أحدهم، وترك مالًا؛ فلا يضيع الصغير واليتيم والأرملة، ولا يصيرون عالة على المجتمع، وفي هذا تخفيف عن كاهل الدولة في سد حاجات المحتاجين.
وكذلك الميراث أيضًا: يُفَتِّتُ الثَّرَوَاتِ، وَيَمْنَعُ مِنْ تَكْدِيسِهَ في أيدٍ قليلة؛ لأن تَرِكَةَ الإنسان بعد موته تُقَسَّمُ عَلَى عَدَدٍ غَيْرِ قَلِيلٍ من أقاربه، ولما كان الإنسان غير مخلدٍ في الدنيا، وَعُمْرُهُ فِي الْغَالِبِ قصير، لا يتجاوز بعض عشراتٍ من السنين؛ فإن الثروة التي يجمعها الإنسان في حياته لا بد أن تتفتت بعد زمنٍ قصير، وتفتيت الثروات الكبيرة مما يُرَغِّبُ فِيهِ الْإِسْلَامُ، ويسلك لتحقيقه سبلًا كثيرة هادئة مريحة، لا عنف فيها ولا اهتزاز، ومن هذه السبل تقرير مبدأ الميراث؛ فتنظيم الإرث في الإسلام جاء إذًا على غايةٍ من العدل والدقة، مما لا نجد له نظيرًا مطلقًا في أي شرعٍ آخر.