للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وُجد في مكةَ نوعٌ من الوظائفِ التي لم تكن موجودةً في بلد من البلاد العربية؛ وذلك لمركزها الديني بين البُلدان، ووفود الحُجاج إليها من كل مكان، وقد كانت هذه الوظائفُ متمثلةً -مثلًا- في الحجابة والسقاية والرفادة، وقد اعتبر العرب هذا نوعًا من أنواع السلطات السياسية، ولكنَّ الأقربَ أنها وظائفُ شرفيةٌ، تَطَلَّبْتَها طبيعةُ البلاد، وظروفُ الحجاج، وليست نوعًا من أنواع السلطة السياسية.

ومما يؤكد الفراغَ السياسيَ التي كانت تعيشه بلادُ الحجاز، ما حصل عندما جاء أبرهةُ الأشرمُ؛ لهدمِ الكعبة، فخرج له عبدُ المطلبِ، وسأله أن يردَّ عليه إبلَه، ولم يناقشْهُ في مصير مكةَ وأهلِها، كما أن مكةَ اختلفوا في وضع الحجر الأسود عند تجديد بناء الكعبة، ولو كان هناك ثَمةُ سلطة سياسية في البلاد لكانت هي المرجعُ في مثل هذه المشكلة.

وقد عَرف العرب مع هذا نوعًا من الممارسات شبه السياسية، مثل: الأحلاف، والجِوار؛ وأحلاف الجاهلية منها ما هو على الخير: كحلف الفضول، الذي تعاقدت فيه بُطونٌ من قريشِ في دار عبدِ الله بنِ جدعانَ، على ألا يجدوا في مكة مظلومًا إلا قاموا معه؛ حتى تُردَّ عليه مظلمتُه، ومنها ما هو على الشر: كتحالف بطونِ قريشٍ على حصار النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِه، وبني هاشم في شِعب أبي طالب.

وكان عندهم أيضًا الجوارُ: والجوار: هو الحمايةُ والمَنعةُ للمستجير، ولم يكن الجوارُ في الجاهلية مقصورًا على الحمايةِ من الظلمِ؛ بل تعدَّى بهم الأمرُ إلى إجارةِ الظالمينَ، وهو ما حرَّمه الإسلامُ، وتوعَّد فاعِلَه بالعذابِ.

ولقد كانت قبائلُ

<<  <   >  >>