للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد مجيء الإسلام غَلَبَ اسْمُ الْفِقْهِ عَلَى عِلْمِ الدِّينِ؛ لِسِيَادَتِهِ وَشَرَفِهِ وفضله على سائر أنواع العلم، كما غلب النجم على الثريَّا، والْعُودُ عَلَى الْمِنْدِل، وَقَدْ كَانَ اسم الفقه شاملًا للدين كله؛ فالفقه: فقه الكتاب والسنة، لا فرق في ذلك بين العقائد والعبادات، والأخلاق والمعاملات والأخبار.

يقول ابن عابدين: المراد بالفقهاء: العالمون بأحكام الله تعالى؛ اعتقادًا وعملًا؛ لأن تسمية علم الفروع فقهًا حادثة، ويؤيده قول الحسن البصري: إنما الفقيه الْمُعْرِضُ عَنِ الدُّنْيَا، الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ، الْبَصِيرُ بِدِينِهِ، الْمُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ، الْوَرِعُ الْكَافُّ عَنْ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ، الْعَفِيفُ عَنْ أَمْوَالِهِمْ، النَّاصِحُ لِجَمَاعَتِهِمْ.

وقد خص المتأخرون علم الفقه بفروع الدين دون أصوله -كما علمت من عبارة ابن عابدين السابقة- وقد عرفوه بقولهم: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية. فالتعريف -كما ترى- قَصَرَ الفقه على العلم بالأحكام الشرعية العملية -أي: الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ عمل، دون التي تتعلق بالاعتقاد أو الأخلاق.

وَقَدْ عَرَّفْتُ العقيدة، وَذَكَرت المناهج فيها قبل قليل، وبعض الملاحظات عليها، ونحن هنا نتكلم عن علم الشريعة الذي قصره الفقهاء على علم الفقه، ومن هنا صح أن يقال: إن الإسلام عقيدة وشريعة.

أنتقل بعد ذلك إلى نقطة:

ب- من العنصر الثاني، وهي بعنوان: "الأسس التي بنيت عليها الشريعة الإسلامية":

قَامت هذه الشريعة المباركة على أسس كثيرة، استقرأها العلماء من نصوص الكتاب والسنة، وسأكتفي هنا بأبرزها وهي -كما يلي-: اليسر، ورفع الحرج، هذه الصفة بَيِّنَةٌ وَاضِحَةٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، وَكَوْنُهَا مُيَسَّرَةً، لَا حَرَجَ فِيهَا هُوَ نَتِيجَةٌ مَنْطِقِيَّةٌ لِسِعَتِهَا وَكَمَالِهَا، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَلَى هَذَا الْمَعْلَمِ في أكثر من موضعٍ في كتابه؛ فقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} (البقرة: من الآية: ١٨٥) وقال سبحانه: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج} (المائدة: من الآية: ٦).

<<  <   >  >>