حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَمْرٍو , ثنا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ الْعُمَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَارِثِ الْأُولَاسِيَّ يَقُولُ: " خَرَجْتُ مِنْ مَكَّةَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ أُرِيدُ الشَّامَ فَإِذَا أَنا بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ عَلَى جَبَلٍ وَإِذَا هُمْ يَتَذَاكَرُونَ الدُّنْيَا فَلَمَّا فَرَغُوا أَخَذُوا يُعَاهِدُونَ اللَّهَ أَنْ لَا يَمَسُّوا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً , فَقُلْتُ: وَأَنَا أَيْضًا مَعَكُمْ فَقَالُوا: إِنْ شِئْتَ , ثُمَّ قَامُوا فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَسَائِرٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا وَكَذَا , وَقَالَ الْآخَرِ: وَأَمَّا أَنَا فَسَائِرٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا وَكَذَا , وَبَقِيتُ أَنَا وَآخَرُ , فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: أُرِيدُ الشَّامَ , قَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ اللِّكَامَ فَكَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الْعَلَوِيُّ فَوَدَّعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَافْتَرَقْنَا , فَمَكَثْتُ حِينًا أَنْتَظِرُ أَنْ يَأْتِيَنِي كِتَابُهُ فَمَا شَعَرْتُ يَوْمًا وَأَنَا بِأُولَاسٍ فَخَرَجْتُ أُرِيدُ الْبَحْرَ وَصِرْتُ بَيْنَ الْأَشْجَارِ إِذَا بِرَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ يُصَلِّي فَاضْطَرَبَ قَلْبِي لَمَّا رَأَيْتُهُ وَعَلَانِي لَهُ الْهَيْبَةُ فَلَمَّا أَحَسَّ بِي سَلَّمَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَإِذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ فَعَرَفْتُهُ بَعْدَ سَاعَةٍ , فَقَالَ لِي: هَاهْ , فَوَبَّخَنِي وَقَالَ: اذْهَبْ فَغَيِّبْ عَنِّي شَخْصَكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا تَطْعَمْ شَيْئًا ثُمَّ ائْتِنِي , فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَجِئْتُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا أَحَسَّ بِي أَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَوْقَفَنِي عَلَى الْبَحْرِ وَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: يُرِيدُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الْمَاءِ وَلَئِنْ فَعَلَ لَأَمْشِيَنَّ , فَمَا لَبِثْتُ إِلَّا يَسِيرًا فَإِذَا أَنَا بِرَفٍّ مِنَ الْحِيتَانِ مِلْءَ الْبَحْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ إِلَيْنَا رَافِعَةً رُءُوسَهَا فَاتِحَةً أَفْوَاهَهَا , فَلَمَّا ⦗١٥٧⦘ رَأَيْتُهَا قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَيْنَ أَبُو بِشْرٍ الصَيَّادُ؟ إِنْسَانٌ كَانَ بِأُولَاسٍ هَذِهِ السَّاعَةَ فَإِذَا الْحِيتَانُ قَدْ تَفَرَّقَتْ كَأَنَّمَا طُرِحَ فِي وَسَطِهَا حَجَرٌ , فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: فَعَلْتَهَا , فَقُلْتُ: إِنَّمَا قُلْتُ كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ لِي: مُرَّ لَسْتَ مَطْلُوبًا بِهَذَا الْأَمْرِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِهَذِهِ الرِّمَالِ وَالْجِبَالِ فَوَارِ شَخْصَكَ مَا أَمْكَنَكَ وَتَقَلَّلْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرُ اللَّهِ فَإِنِّي أَرَاكَ بِهَذَا مُطَالَبًا , ثُمَّ غَابَ عَنِّي فَلَمْ أَرَهُ حَتَّى مَاتَ , وَكَانَتْ كُتُبُهُ تَصِلُ إِلَيَّ فَلَمَّا مَاتَ كُنْتُ قَاعِدًا يَوْمًا فَتَحَرَّكَ قَلْبِي لِلْخُرُوجِ مِنْ بَابِ الْبَحْرِ وَلَمْ تَكُنْ لِي حَاجَةٌ فَقُلْتُ: لَا أُكْرِهُ الْقَلْبَ فَيَغُمَّني , فَخَرَجْتُ فَلَمَّا صِرْتُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي عَلَى الْبَابِ إِذَا أَنَا بِأَسْوَدَ , قَامَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: أَنْتَ أَبُو الْحَارِثِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ , فَقَالَ لِي: آجَرَكَ اللَّهُ فِي أَخِيكَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَكَانَ اسْمُهُ وَاضِحًا مَوْلًى لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَذَكَرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَوْصَاهُ أَنْ يُوَصِّلَ إِلَيَّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , يَا أَخِي إِذَا نَزَلَ بِكَ أَمْرٌ مِنْ فَقْرٍ أَوْ سَقَمٍ أَوْ أَذًى فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاسْتَعْمِلْ عَنِ اللَّهِ الرِّضَا فَإِنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْكَ يَعْلَمُ ضَمِيرَكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ لَكَ مِنْ أَنْ يَنْفُذَ فِيكَ حُكْمُهُ فَإِنْ رَضِيتَ فَلَكَ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَالْأَمْنُ مِنَ الْهَوْلِ الشَّدِيدِ وَأَنْتَ فِي رِضَاكَ وَسَخَطِكَ لَسْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَتَعَدَّى الْمَقْدُورَ وَلَا تَزْدَادَ فِي الرِّزْقِ الْمَقْسُومِ وَالْأَثَرِ الْمَكْتُوبِ وَالْأَجَلِ الْمَعْلُومِ فَفِي أَيِّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ تُرِيدُ أَنْ تَحْتَالَ فِي نَقْضِهَا؟ بِهَمِّكَ أَوْ بِأَيِّ قُوَّةٍ تُرِيدُ أَنْ تَدْفَعَهَا عَنْكَ عِنْدَ حُلُولِهَا أَوْ تَجْتَلِبَهَا مِنْ قَبْلِ أَوَانِهَا كَلَّا وَاللَّهِ لَا بُدَّ لِأَمْرِ اللَّهِ أَنْ يَنْفُذَ فِيكَ طَوْعًا مِنْكَ أَوْ كَرْهًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلَى الرِّضَا سَبِيلًا فَعَلَيْكَ بِالتَّحَمُّلِ وَلَا تَشْكُ مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُشْكَى وَمَنْ هُوَ أَهْلُ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ الْقَدِيمِ مَا أَوْلَى مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْنَا , فَمَا أَعْطَى وَعَافَى أَكْثَرُ مِمَّا زَوَى وَأَبْلَى وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَعْرَفُ بِمَوْضِعِ الْخِيَرَةِ لَنَا مِنَّا وَإِذَا اضْطَرَّتْكَ الْأُمُورُ وَكِّلْ صَبْرَكَ فَالْجَأْ إِلَيْهِ بِهَمِّكَ وَاشْكُ إِلَيْهِ بَثَّكَ وَلْيَكُنْ طَمَعُكَ فِيهِ وَاحْذَرْ أَنْ تَسْتَبْطِئَهُ أَوْ تُسِيءَ بِهِ ظَنًّا فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا وَلِكُلِّ سَبَبٍ أَجَلٌ وَلِكُلِّ هَمٍّ فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ فَرَجٌ عَاجِلٌ أَوْ آجِلٌ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ بِعَيْنِ اللَّهِ اسْتَحَى أَنْ يَرَاهُ اللَّهُ يَأْمُلُ سِوَاهُ وَمَنْ أَيْقَنَ بِنَظَرِ اللَّهِ لَهُ أَسْقَطَ الِاخْتِيَارَ ⦗١٥٨⦘ لِنَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ , وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الضَّارُّ النَّافِعُ أَسْقَطَ مَخَاوِفَ الْمَخْلُوقِينَ عَنْ قَلْبِهِ وَرَاقَبَ اللَّهَ فِي قُرْبِهِ وَطَلَبَ الْأَشْيَاءَ مِنْ مَعَادِنَهَا فَاحْذَرْ أَنْ تُعَلِّقَ قَلْبَكَ بِمَخْلُوقٍ تَعْلِيقَ خَوْفٍ أَوْ رَجَاءٍ أَوْ تُفْشِيَ إِلَى أَحَدٍ الْيَوْمَ سِرَّكَ أَوْ تَشْكُوَ إِلَيْهِ بَثَّكَ أَوْ تَعْتَمِدَ عَلَى إِخَائِهِ أَوْ تَسْتَرِيحَ إِلَيْهِ اسْتِرَاحَةً تَكُونُ فِيهَا مَوْضِعَ شَكْوَى بَثٍّ فَإِنَّ غَنِيَّهُمْ فَقِيرٌ فِي غِنَاهُ وَفَقِيرَهُمْ ذَلِيلٌ فِي فَقْرِهِ , وَعَالِمَهُمْ جَاهِلٌ فِي عِلْمِهِ فَاجِرٌ فِي فِعْلِهِ إِلَّا الْقَلِيلَ مِمَّنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute