حَضَرْتُ عُمَرَ بْنَ رُفَيْلٍ الشَّيْخَ الْأَمِينَ بِجُرْجَانَ , وَسَمِعْتُ مِنْهُ , وَحَدَّثَنِي بِهَذَا عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ بِمَكَّةَ قَالَ: حَكَى الشَّيْخُ الشِّبْلِيُّ أَنَّ أَبَا حَمْزَةَ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْجُلُوسُ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَخْرُجُ إِلَّا لَعَظِيمٍ لَا يَسَعُهُ الْقُعُودُ عَنْهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ يَوْمًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَخَلَعَ قَمِيصَهُ وَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَخَرَجَ الْفَقِيرُ فَغَلَبَ عَلَى حَمْزَةَ الْوَجْدِ فَخَرَجَ مُجَرَّدًا فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي فِي صَحْرَاءَ إِذْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ فَأَرَادَ أَنْ يَصِيحَ فَذَكَرَ الْعَقْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَكَانَ قَدْ عَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يَسْتَغِيثَ بِمَخْلُوقٍ فَبَيْنَا هُوَ فِي الْبِئْرِ مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى جَادَّةٍ الطَّرِيقِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: يَا أَخِي هَذَا الْبِئْرُ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ لَوْ مَرَّ بِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَهَوَى فِيهِ فَامْضِ أَنْتَ وَجِئْنِي بِقَصَبٍ وَأَنَا أَنْقُلُ الْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ فَفَعَلَا وَسَدَّا رَأْسَ الْبِئْرِ وَمَضَيَا فَأَرَدْتُ أَنْ أُكَلِّمَهُمَا لِضَعْفِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ أَخْرِجَانِي ثُمَّ طُمُّوهُ فَمَنَعَنِي الْعَقْدُ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ سَيِّدِي فَقُلْتُ: سَيِّدِي وَعِزَّتِكَ لَا أَسْتَغِيثُ بِغَيْرِكَ , فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكُ , وَقَدْ مَضَى بَعْضُ اللَّيْلِ إِذَا التُّرَابُ يَتَنَاثَرُ عَلَيَّ مِنْ رَأْسِ الْبِئْرِ كَأَنَّ إِنْسَانًا يَنْبِشُهُ فَسَمِعْتُ قَائِلًا , يَقُولُ: لَا تَرْفَعْ رَأْسَكَ لَا يَسْقُطْ عَلَيْكَ التُّرَابُ , ثُمَّ نَادَانِي: يَا أَبَا حَمْزَةَ تَعَلَّقْ بِرِجْلِي فَتَعَلَّقْتُ بِرِجْلِهِ فَإِذَا هُوَ خَشِنُ ⦗١٧٨⦘ الْمَلْمَسِ فَلَمَّا صَعِدْتُ وَصِرْتُ فَوْقَ الْبِئْرِ عَلَى الْأَرْضِ إِذَا أَنَا بِسَبُعٍ عَظِيمِ الْهَيْئَةِ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَسَمِعْتُ قَائِلًا , يَقُولُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ نَجَيَّنَاكَ مِنَ التَّلَفِ بِالتَّلَفِ وَوَلَّى عَنِّي فِي الصَّحْرَاءِ فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ: أَهَابُكَ أَنْ أُبْدِي إِلَيْكَ الَّذِي أُخْفِي وَطَرْفُكَ يَدْرِي مَا يَقُولُ لَهُ طَرْفِي
[البحر الطويل]
نَهَانِي حَيَائِي مِنْكَ أَنْ أَكْشِفَ الْهَوَى ... وَأَغْنَيْتَنِي بِالْفَهْمِ مِنْكَ عَنِ الْكَشْفِ
تَرَاءَيْتَ لِي بِالْغَيْبِ حَتَّى كَأَنَّمَا ... تُبَشِّرُنِي بِالْغَيْبِ أَنَّكَ فِي كَفِّي
أَرَاكَ وَبِي مِنْ هَيْبَتِي لَكَ حِشْمَةٌ ... فَتُؤْنِسُنِي بِالْعَطْفِ مِنْكَ وَبِاللُّطْفِ
وَتُحْيِي مُحِبًّا أَنْتَ فِي الْحُبِّ حَتْفُهُ ... وَذَا عَجَبٌ كَوْنُ الْحَيَاةِ مِنَ الْحَتْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute