قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ النَّيْسَابُورِيُّ: حَدَّثَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ بِهَذِهِ الْحِكَايَةِ، وَحَدَّثَنَا أَبِي، ثنا خَالِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ قَالَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ: " خَرَجْتُ فِي لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي وَظَنَنْتُ أَنَّ النَّهَارَ قَدْ أَضَاءَ فَإِذَا الصُّبْحُ عَلَيَّ فَقَعَدْتُ إِلَى دِهْلِيزٍ مُشْرِفٍ فَإِذَا أَنَا بِصَوْتِ شَابٍّ يَدْعُو وَيَبْكِي وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ وَجَلَالِكَ مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ وَلَقَدْ عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَمَا أَنَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ وَلَا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ وَلَا بِنَظَرِكَ مُسْتَخِفٌّ وَلَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي فَأَعَانَتْنِي عَلَيْهَا شِقْوَتِي وَغَرَّنِي سِتْرُكَ الْمَرْخِيُّ عَلَيَّ فَقَدْ عَصَيْتُكَ وَخَالَفْتُكَ بِجَهْلِي فَمَنْ مِنْ عَذَابِكَ يَسْتَنْقِذُنِي؟ وَمِنْ أَيْدِي زَبَانِيَتِكَ مَنْ يُخَلِّصُنِي؟ وَبِحَبْلِ مَنْ أَتَّصِلُ إِذَا أَنْتَ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي؟ وَاسَوْأَتَاهُ إِذَا قِيلَ لِلْمُخِفِّينَ: جُوزُوا، وِلِلْمُثْقِلِينَ: حُطُّوا فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَعَ الْمُثْقِلِينَ نَحُطُّ أَمْ مَعَ الْمُخِفِّينَ نَجُوزُ وَنَنْجُو؟ كُلَّمَا طَالَ عُمْرِي وَكَبُرَ سِنِّي كَثُرَتْ ذُنُوبِي وَكَثُرَتْ خَطَايَايَ، فَيَا وَيْلِي كَمْ أَتُوبُ وَكَمْ أَعُودُ وَلَا أَسْتَحْيِي مِنْ رَبِّي، قَالَ مَنْصُورٌ: فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْكَلَامَ، وَضَعْتُ فَمِي عَلَى بَابِ دَارِهِ وَقُلْتُ: أَعُوذُ ⦗١٨٩⦘ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: ٦] الْآيَةَ، قَالَ مَنْصُورٌ: ثُمَّ سَمِعْتُ لِلصَّوْتِ اضْطِرَابًا شَدِيدًا وَسَكَنَ الصَّوْتُ فَقُلْتُ: إِنَّ هُنَاكَ بَلِيَّةً، فَعَلَّمْتُ عَلَى الْبَابِ عَلَامَةً وَمَضَيْتُ لِحَاجَتِي فَلَمَّا رَجَعْتُ مِنَ الْغَدِ إِذْ أَنَا بِجِنَازَةٍ مَنْصُوبَةٍ وَأَكْفَانٍ تُصَلَّحُ وَعَجُوزٍ تَدْخُلُ الدَّارَ وَتَخْرُجُ بَاكِيَةً فَقُلْتُ: يَا أَمَةَ اللَّهِ مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ مِنْكِ؟ قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي لَا تُجَدِّدْ عَلَيَّ أَحْزَانِي، قُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ أَخْبِرِينِي قَالَتْ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ غَرِيبٌ مَا أَخْبَرْتُكَ هَذَا وَلَدِي وَمَنْ زَلَّ عَنْ كَبِدِي وَمَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ سَيَدْعُو لِي مِنْ بَعْدِي كَانَ وَلَدِي مِنْ مَوَالِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِذَا جِنَّ عَلَيْهِ قَامَ فِي مِحْرَابِهِ يَبْكِي عَلَى ذُنُوبِهِ وَكَانَ يَعْمَلُ هَذَا الْخُوصَ فَيَقْسِمُ كَسْبَهُ أَثْلَاثًا فَثُلُثُ يُطْعِمُنِي وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ وَثُلُثٌ يُفْطِرُ عَلَيْهِ، فَمَرَّ عَلَيْنَا الْبَارِحَةَ رَجُلٌ لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَقَرَأَ عِنْدَ وَلَدِي آيَةً فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ فَلَمْ يَزَلْ يَضْطَرِبُ وَيَبْكِي حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ مَنْصُورٌ: فَهَذِهِ صِفَةُ الْخَائِفِينَ إِذَا خَافُوا السَّطْوَةَ " قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: قَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ أَحْوَالِ مَنْ أَخْفَاهُمُ الْحَقُّ عَنِ الْخَلْقِ وَخَصَّهُمْ بِالْأُنْسِ بِهِ وَلَمْ يُنَصِّبْهُمْ أَعْلَامًا يُقْتَدَى بِهِمْ وَنَعُودُ إِلَى ذِكْرِ بَعْضِ مَنْ نَصَّبَهُمُ الْحَقُّ لِلْقُدْوَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالدَّعْوَةِ وَالتَّفْهِيمِ وَجَعَلَهُمْ خُلَفَاءَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَئِمَّةَ الْأَصْفِيَاءِ مُقْتَصِرِينَ عَلَى ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ وَاللَّهُ خَيْرُ مُعِينٍ وَمُوَفِّقٍ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عُدْنَا مُسْتَعِينِينَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُقْتَصِرِينَ عَلَى ذِكْرِ جَمَاعَةٍ نُصِبُوا وَشُهِرُوا لِلْقُدْوَةِ وَطُهِّرُوا مِنَ الْأَكْدَارِ وَجُرِّدُوا مِنَ الْأَغْيَارِ وَهُذِّبُوا بِصُحْبَةِ السَّادَّةِ وَالْأَخْيَارِ وَاقْتَبَسُوا عَنِ الْأَئِمَّةِ مِنَ اتِّبَاعِ الْآثَارِ وَأُيِّدُوا بِالْأَنْوَارِ وَحُفِظُوا مِنْ تَلْوِينِ الْأَسْرَارِ وَخُصُّوا بِصَافِي الْأَذْكَارِ وَعُصِمُوا مِنْ مُسَامَرَةِ الْأَشْرَارِ وَمُلَاحَظَةِ الْأَوْزَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute