للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْجَوْرَبِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ سَهْلَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: أُصُولُنَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ: التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاقْتِدَاءُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْلُ الْحَلَالِ وَكَفُّ الْأَذَى وَاجْتِنَابُ الْآثَامِ وَالتَّوْبَةُ وَأَدَاءُ الْحُقُوقِ وَقَالَ: مَنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ اخْتِيَارٌ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ وَلَا يَجُولُ بِقَلْبِهِ سِوَى مَا أَحَبَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُئِلَ: هَلِ لِلْمُقْتَدِي اخْتِيَارٌ بِالِاسْتِحْسَانِ؟ قَالَ: لَا إِنَّمَا جَعَلَ السُّنَّةَ وَاعْتِقَادَهَا بِالِاسْمِ وَلَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةٍ: الِاسْتِخَارَةُ وَالِاسْتِشَارَةُ وَالِاسْتِعَانَةُ وَالتَّوَكُّلُ فَتَكُونُ لَهُ الْأَرْضُ قُدْوَةً وَالسَّمَاءُ لَهُ عِلْمًا وَعِبْرَةً، وَعِيشَتُهُ فِي حَالِهِ، لِأَنَّ حَالَهُ الْمَزِيدُ، وَهُوَ الشُّكْرُ، وَقَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ قَامَ بِشَيْءٍ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ فَعَمِلَ بِهِ وَتَمَسَّكَ بِهِ فَاجْتَنَبَ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عِنْدَ فَسَادِ الْأُمُورِ وَعِنْدَ تَشْوِيشِ الزَّمَانِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الرَّأْيِ وَالتَّفْرِيقِ إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ هَادِيًا مَهْدِيًّا قَدْ أَقَامَ الدِّينَ فِي زَمَانِهِ وَأَقَامَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ الْغَرِيبُ فِي زَمَانِهِ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ» وَمَا مِنْ عَبْدٍ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنَ السُّنَّةِ وَكَانَ نِيَّتُهُ مُتَقَدِّمَةً فِي دُخُولِهِ لِلَّهِ إِلَّا خَرَجَ الْجَهْلُ مِنْ سِرِّهِ شَاءَ أَوْ أَبَى بِتَقْدِيمِهِ النِّيَّةَ وَلَا يَعْرِفُ الْجَهْلَ إِلَّا عَالِمٌ فَقِيهٌ زَاهِدٌ عَابِدٌ حَكِيمٌ، وَسُئِلَ كَيْفَ يَتَخَلَّصُ الْعَبْدُ مِنْ خُدْعَةِ نَفْسِهِ وَعَدُوِّهِ؟ قَالَ: يَعْرِفُ حَالَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَبَعْدَ عِرْفَانِ حَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالْأَثَرِ وَيَقْتَدِي فِي الْأَشْيَاءِ بِالسُّنَّةِ وَقَالَ: عَلَى هَذَا الْخَلْقِ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُلْزِمُوا أَنْفُسَهُمْ سَبْعَةَ أَشْيَاءَ فَأَوَّلُهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَهُوَ الْفَرْضُ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْأَدَبُ ثُمَّ التَّرْهِيبُ ثُمَّ التَّرْغِيبُ ثُمَّ السَّعَةُ فَمَنْ لَمْ يُلْزِمْ نَفْسَهُ هَذِهِ السَّبْعَةَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا لَمْ يَكْمُلْ إِيمَانُهُ وَلَمْ يَتِمَّ عَقْلُهُ وَلَمْ يَتَهَنَّأْ بِحَيَاتِهِ وَلَمْ يَجِدْ لَذَّةَ طَاعَةِ رَبِّهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ سَهْلًا، يَقُولُ ⦗١٩١⦘: " اعْلَمُوا إِخْوَانِي أَنَّ الْعُبَّادَ عَبْدُوا اللَّهَ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: عَلَى الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْقُرْبِ، وَكُلُّ عَلَامَةٍ يُعْرَفُ بِهَا وَشَهَادَةٌ تَشْهَدُ لَهُ بِهَا بِمَالَهُ وَعَلَيْهِ، فَعَلَامَةُ الْخَائِفِ الِاشْتِغَالُ بِالتَّخَلُّصِ مِمَّا يَخَافُ فَلَا يَزَالُ خَائِفًا حَتَّى يَتَخَلَّصَ فَإِذَا تَخَلَّصَ مِمَّا يَخَافُ اطْمَأَنَّ وَسَكَنَ فَهَذِهِ عَلَامَةُ الْخَائِفِينَ، وَأَمَّا الرَّاجِي فَإِنَّهُ رَجَى الْجَنَّةَ وَطَلَبَ نَعِيمَهَا وَمُلْكَهَا فَأَعْطَى الْقَلِيلَ فِي طَلَبِ الْكَثِيرِ فَبَذَلَ نَفْسَهُ وَخَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ أَحَدٌ إِلَيْهَا فَجَدَّ فِي الْبَذْلِ وَتَحَرَّزَ مِنَ الدُّنْيَا أَلَّا يَقِفَ غَدًا فِي الْحِسَابِ فَيُسْبَقَ، فَهَذِهِ عَلَامَةُ الرَّاجِي، وَأَمَّا الْعَارِفُ الَّذِي طَلَبَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَقُرْبَهُ فَإِنَّهُ بَذَلَ مَالَهُ فَأَخْرَجَهُ ثُمَّ نَفْسَهُ فَبَاعَهُ ثُمَّ رَوَّحَهُ فَأَبَاحَهُ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ جَنَّةٌ وَلَا نَارٌ لَمَا مَالَ وَلَا زَالَ وَلَا فَتَرَ، فَهَذِهِ عَلَامَةُ الْعَارِفِ، فَانْظُرُوا الْآنَ أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ مِنْ أَيِّ الْقَوْمِ أَنْتُمْ؟ أَمَوْتَى لَا حَيَاةَ فِيكُمْ أَمْ لَا مَوْتَى وَلَا أَحْيَاءُ أَمْ أَحْيَاءُ حَيَوْا بِحَيَاةِ الْخُلْدِ؟ وَيْحَكَ إِنَّ الْخَائِفَ حَيٌّ بِحَيَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلِلرَّاجِي حَيَاتَانِ وَلِلْعَارِفِ ثَلَاثُ حَيَاوَاتٍ: وَهِيَ الْحَيَاةُ الَّتِي لَا مَوْتَ فِيهَا، فَحَيَّاهُ الْخَائِفِ إِذَا أَمِنَ مِنَ النَّارِ فَقَدْ حَيِيَ بِحَيَاةٍ ثُمَّ يُتِمُّ بِحَيَاةٍ ثَانِيَةٍ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَالرَّاجِي أَمِنَ مِنَ الْعَذَابِ وَمِنَ الْحِسَابِ فَمَرَّ إِلَى الْجَنَّةِ مَعَ السَّابِقِينَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَصَارَ لَهُ أَمَانَانِ، وَأَمَّا الْعَارِفُ فَصَارَ لَهُ أَمَانٌ مِنَ النَّارِ وَالْأَمَانُ الثَّانِي صَارَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَصَارَ الرَّاجِي إِلَى الْجَنَّةِ فَسَبَقَ هُوَ إِلَى الرَّحْمَنِ فَصَارَ لَهُ ثَلَاثُ حَيَوَاتٍ، فَانْظُرُوا مِنْ أَيِّ الْقَوْمِ أَنْتُمْ؟ وَاسْلُكُوا طَرِيقَ الْعَارِفِينَ وَلَا تَرْضَوْا لِرَبِّكُمْ بِهَدِيَّةِ الدُّونُ، فَبِقَدْرِ مَا تُهْدُونَ تُكْرَمُونَ وَتُقَرَّبُونَ وَبِقَدْرِ مَا تُقَرَّبُونَ تُنَعَّمُونَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَقَالَ: أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِهِ ثَلَاثَةُ أَخْلَاقٍ وَفِيهَا اكْتِسَابٌ لِلْعَقْلِ: احْتِمَالُ الْمَئُونَةِ وَالرِّفْقُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالْحَذَرُ أَنْ لَا يَمِيلَ فِي الْهَوَى وَلَا مَعَ الْهَوَى وَلَا إِلَى الْهَوَى، ثُمَّ لَابُدَّ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ أَحْوَالٍ أُخَرَ، وَفِيهَا اكْتِسَابُ الْعِلْمِ الْعَالِي، وَالْحِلْمِ وَالتَّوَاضُعِ، ثُمَّ لَابُدَّ لَهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ أُخَرَ وَفِيهَا اكْتِسَابُ الْمَعْرِفَةِ، وَأَخْلَاقِ أَهْلِهَا السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَالصِّيَانَةِ وَالْإِنْصَافِ، وَمِنْ أَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ الْحَيَاءُ وَكَفُّ الْأَذَى وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَالنَّصِيحَةُ وَفِيهَا أَحْكَامُ التَّعَبُّدِ وَقَالَ: أَرْكَانُ الدِّينِ أَرْبَعَةٌ: الصِّدْقُ وَالْيَقِينُ وَالرِّضَا وَالْحُبُّ، فَعَلَامَةُ الصِّدْقِ الصَّبْرُ ⦗١٩٢⦘، وَعَلَامَةُ الْيَقِينِ النَّصِيحَةُ، وَعَلَامَةُ الرِّضَا تَرْكُ الْخِلَافِ وَعَلَامَةُ الْحُبِّ الْإِيثَارُ، وَالصَّبْرُ يَشْهَدُ لِلصِّدْقِ، وَقَالَ: الْجَاهِلُ مَيِّتٌ وَالنَّاسِي نَائِمٌ وَالْعَاصِي سَكْرَانُ وَالْمُصِرُّ نَدْمَانُ "

<<  <  ج: ص:  >  >>