للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ النَّاقِدِ الصُّوفِيِّ صَاحِبِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَطَاءٍ بِبَغْدَادَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ كِتَابِهِ فَأَقَرَّ بِهِ، قُلْتُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عِقْدِ الْحِكْمَةِ تَعْرِيفُ الْمَصْنُوعِ صَانِعَهُ وَالْمُحْدَثِ كَيْفَ كَانَ أَحْدَثَهُ؟ وَكَيْفَ كَانَ أَوَّلُهُ؟ وَكَيْفَ أُحْدِثَ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ فَيَعْرِفُ صِفَةَ الْخَالِقِ مِنَ الْمَخْلُوقِ وَصِفَةَ الْقَدِيمِ مِنَ الْمُحْدَثِ، فَيَعْرِفُ الْمَرْبُوبُ رَبَّهُ وْالْمَصْنُوعُ صَانِعَهُ وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ سَيِّدَهُ، فَيَعْبُدُهُ وَيُوَحِّدُهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيَذِلُّ لِدَعْوَتِهِ وَيَعْتَرِفُ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَالِكَهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْمُلْكِ لِمَنِ اسْتَوْجَبَهُ وَلَمْ يُضِفِ الْخَلْقَ فِي تَدْبِيرِهِ إِلَى وَلِيِّهِ، وَالتَّوْحِيدُ عِلْمُكَ وَإِقْرَارُكَ بِأَنَّ اللَّهَ فَرْدٌ فِي أَوَّلِيَّتِهِ، وَأَزَلِيَّتِهِ لَا ثَانِيَ مَعَهُ وَلَا شَيْءَ يَفْعَلُ فِعْلَهُ وَأَفْعَالَهُ الَّتِي أَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ وَلَا يُسْقِمُ وَلَا يُبْرِئُ وَلَا يَرْفَعُ وَلَا يَضَعُ وَلَا يَخْلُقُ وَلَا يَرْزُقُ وَلَا يُمِيتُ وَلَا يُحْيِي وَلَا يُسْكِنُ وَلَا يُحَرِّكُ غَيْرُهُ جَلَّ جَلَالُهُ فَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقِيلَ لَهُ: بَيِّنِ التَّوْحِيدَ وَعَلِّمْنَا مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ الْيَقِينُ، فَقِيلَ لَهُ: بَيِّنْ لَنَا فَقَالَ: هُوَ مَعْرِفَتُكَ أَنَّ حَرَكَاتِ الْخَلْقِ وَسُكُونَهَا فِعْلُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ وَحَّدْتَهُ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّكَ جَعَلْتَ اللَّهَ وَاحِدًا فِي أَفْعَالِهِ إِذْ كَانَ لَيْسَ شَيْءٌ يَفْعَلُ أَفْعَالَهُ وَإِنَّمَا الْيَقِينُ اسْمٌ لِلتَّوْحِيدِ إِذَا تَمَّ وَخَلُصَ، وَإِنَّ التَّوْحِيدَ إِذَا تَمَّ تَمَّتِ الْمَحَبَّةُ وَالتَّوَكُّلُ وَسُمِّيَ يَقِينًا، فَالتَّوَكُّلُ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَالتَّوْحِيدُ قَوْلُ الْعَبْدِ، فَإِذَا عَرَفَ الْقَلْبُ التَّوْحِيدَ وَفَعَلَ مَا عَرَفَ فَقَدْ تَمَّ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ التَّوَكُّلَ نِظَامُ التَّوْحِيدِ فَإِذَا فَعَلَ مَا عَرَفَ فَقَدْ تَمَّ إِيمَانُهُ وَخَلُصَ فَرْضُهُ لِأَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ لَا يَفْعَلُهُ شَيْءً غَيْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَخَافُ غَيْرَهُ وَتَرْجُو غَيْرَهُ لَمْ تَأْتِ بِالْأَمْرِ الَّذِي يَنْبَغِي فَلَوْ عَمِلْتَ مَا عَرَفْتَ لَرَجَوْتَ اللَّهَ وَحْدَهُ حِينَ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا ⦗٢٥٧⦘ يَفْعَلُ فِعْلَهُ غَيْرُهُ، فَالْقَوْلُ فِيمَنْ يَقْصُرُ عِلْمُ قَلْبِهِ أَنَّهُ نَاقِصُ التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ مُشْتَغِلٌ بِالْفِتْنَةِ الَّتِي هِيَ آفَةُ التَّوْحِيدِ، قُلْتُ: قِصَرُ عِلْمِ القَلْبِ مَا هُوَ؟ قَالَ: ظَنُّكَ أَنَّ شَيْئًا يَفْعَلُ فِعْلَ اللَّهِ فَاسْمُ ذَلِكَ الظَّنِّ فِتْنَةٌ، وَالْفِتْنَةُ هِيَ الشِّرْكُ اللَّطِيفُ، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ الْفِتْنَةُ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ وَمُفْسِدَةٌ لَهُ، قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: ظَنُّكَ بِاللَّهِ إِذْ ظَنَنْتَ أَنَّ مَنْ يَشَاءُ يَفْعَلُ فِعْلَهُ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَطُولُ وَلَكِنْ مَنْ يَفْهَمْ يَقْنَعْ بِالْيَسِيرِ "

<<  <  ج: ص:  >  >>