للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: " إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانِهِمْ وَفَارَقُوهَا بِعُقُودِ أَيْمَانِهِمْ أَشْرَفَ بِهِمْ عِلْمُ الْيَقِينِ عَلَى مَا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ وَفِيهِ مُقِيمُونَ وَإِلَيْهِ رَاجِعُونَ فَهَرَبُوا مِنْ مُطَالَبَةِ نُفُوسِهِمُ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَالدَّاعِيَةِ إِلَى الْمَهَالِكِ وَالْمُعِينَةِ لِلْأَعْدَاءِ وَالْمُتَّبِعَةِ لِلْهَوَى وَالْمَغْمُوسَةِ فِي الْبَلَاءِ وَالْمُتَمَكِّنَةِ بِأَكْنَافِ الْأَسْوَاءِ إِلَى قَبُولِ دَاعِي التَّنْزِيلِ الْمُحْكَمِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إِذْ سَمِعُوهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [سورة: الأنفال، آية رقم: ٢٤] فَقَرَعَ أَسْمَاعَ فُهُومِهِمْ حَلَاوَةُ الدَّعْوَةِ لِتَصَفُّحِ التَّمْيِيزِ، وَتَنَسَّمُوا بِرَوْحِ مَا أَدَّتْهُ إِلَيْهِمُ الْفُهُومُ الطَّاهِرَةُ مِنْ أَدْنَاسِ خَفَايَا مَحَبَّةِ الْبَقَاءِ فِي دَارِ الفَنَاءِ فَأَسْرَعُوا إِلَى حَذْفِ الْعَلَائِقِ الْمُشْغِلَةِ قُلُوبَ الْمُرَاقِبِينَ مَعَهَا، وَهَجَمُوا بِالنُّفُوسِ عَلَى مُعَانَقَةِ الْأَعْمَالِ وَتَجَرَّعُوا مَرَارَةَ الْمُكَابَدَةِ وَصَدَقُوا اللَّهَ فِي مُعَامَلَتِهِ، وَأَحْسَنُوا الْأَدَبَ فِيمَا تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ وَهَانَتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ وَعَرَفُوا قَدْرَ مَا يَطْلُبُونَ، وَاغْتَنَمُوا سَلَامَةَ الْأَوْقَاتِ وَسَلَامَةَ الْجَوَارِحِ وَأَمَاتُوا شَهَوَاتِ النُّفُوسِ وَسَجَنُوا هُمُومَهُمْ عَنِ التَّلَفُّتِ إِلَى مَذْكُورٍ سِوَى وَلِيِّهِمْ، وَحَرَسُوا قُلُوبِهِمْ عَنِ التَّطَلُّعِ فِي مَرَاقِي الْغَفْلَةِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا رَقِيبًا مِنْ عِلْمِ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ وَمَنْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَأَحَاطَ بِهِ خُبْرًا فَانْقَادَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ بَعْدَ اعْتِيَاصِهَا، وَاسْتَبَقَتْ مُنَافِسَةً لِأَبْنَاءِ جِنْسِهَا نُفُوسٌ سَاسَهَا وَلِيُّهَا وَحَفِظَهَا بَارِئُهَا وَكَلَأَهَا كَافِيهَا، فَتَوَهَّمْ يَا أَخِي إِنْ كُنْتَ ذَا بَصِيرَةٍ مَاذَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ ⦗٢٦٣⦘ مُنَاجَاتِهِمْ؟ وَمَاذَا يَلْقَوْنَهُ مِنْ نَوَازِلِ حَاجَاتِهِمْ؟ تَرَ أَرْوَاحًا تَتَرَدَّدُ فِي أَجْسَادٍ قَدْ أَذْبَلَتْهَا الْخَشْيَةُ وَذَلَّلَتْهَا الْخِدْمَةُ وَتَسَرْبَلَهَا الْحَيَاءُ وَجَمَعَهَا الْقُرْبُ وَأَسْكَنَهَا الْوَقَارُ وَأَنْطَقَهَا الْحِذَارُ، أَنِيسُهَا الْخَلْوَةُ وَحِدِيثُهَا الْفِكْرَةُ وَشِعَارُهَا الذِّكْرُ، شُغْلُهَا بِاللَّهِ مُتَّصِلٌ وَعَنْ غَيْرِهِ مُنْفَصِلٌ، لَا تَتَلَقَّى قَادِمًا وَلَا تُشَيِّعُ ظَاعِنًا، غِذَاؤُهَا الْجُوعُ وَالظَّمَأُ وَرَاحَتُهَا التَّوَكُّلُ وَكَنْزُهَا الثِّقَةُ بِاللَّهِ وَمِعْوَلُهَا الِاعْتِمَادُ وَدَوَاؤُهَا الصَّبْرُ وَقَرِينُهَا الرِّضَا، نُفُوسٌ قُدِّمَتْ لِتَأْدِيَةِ الْحُقُوقِ وَرُقِّيَتْ لِنَفِيسِ الْعِلْمِ الْمَخْزُونِ وَكُفِيَتْ ثِقَلَ الْمِحَنِ: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [سورة: الأنبياء، آية رقم: ١٠٣]، {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [سورة: فصلت، آية رقم: ٣٢] "

<<  <  ج: ص:  >  >>