للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَجْمَعَ فِي يَوْمِكَ مَا يَكْفِيكَ أَيَّامَكَ هَيْهَاتَ كَثُرَ الشُّغُلُ وَزَادَ الْحُزْنُ وَعَظُمَ التَّعَبُ وَأَضَاعَ الْعَبْدُ الْعَمَلَ بِالْأَمَلِ، وَلَوْ أَنَّ الْأَمَلَ فِي غَدِكَ خَرَجَ مِنْ قَلْبِكَ أَحْسَنْتَ الْيَوْمَ فِي عَمَلِكَ وَاقْتَصَرْتَ لَهُمْ يَوْمَكَ، غَيْرَ أَنَّ الْأَمَلَ مِنْكَ فِي الْغَدِ دَعَاكَ إِلَى التَّفْرِيطِ وَدَعَاكَ إِلَى الْمَزِيدِ فِي الطَّلَبِ وَلَئِنْ شِئْتَ وَاقْتَصَرْتَ لَأَصِفَنَّ لَكَ الدُّنْيَا، سَاعَةٌ بَيْنَ سَاعَتَيْنِ، سَاعَةٌ مَاضِيَةٌ وَسَاعَةٌ آتِيَةٌ، وَسَاعَةٌ أَنْتَ فِيهَا فَأَمَّا الْمَاضِيَةُ وَالْآتِيَةُ، فَلَيْسَ تَجِدُ لِرَاحَتِهِمَا لَذَّةً وَلَا لِبَلَائِهِمَا أَلَمًا، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا سَاعَةٌ أَنْتَ فِيهَا فَخَدَعَتْكَ تِلْكَ السَّاعَةُ عَنِ الْجَنَّةِ، وَصَيَّرَتْكَ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا الْيَوْمُ إِنْ عَقَلْتَ ضَيْفٌ نَزَلَ بِكَ وَهُوَ مُرْتَحِلٌ عَنْكَ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ نُزُلَهُ وَقِرَاهُ شَهِدَ لَكَ وَأَثْنَى عَلَيْكَ بِذَلِكَ وَصَدَقَ فِيكَ، وَإِنْ أَسَأْتَ ضِيَافَتَهُ وَلَمْ تُحْسِنْ قِرَاهُ جَالَ فِي عَيْنَيْكَ، وَهُمَا يَوْمَانِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخَوَيْنِ نَزَلَ بِكَ أَحَدُهُمَا فَأَسَأْتَ إِلَيْهِ وَلَمْ تُحْسِنْ قِرَاهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَجَاءَكَ الْآخَرُ بَعْدَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ جِئْتُكَ بَعْدَ أَخِي فَإِنَّ إِحْسَانَكَ إِلَيَّ يَمْحُو إِسَاءَتَكَ إِلَيْهِ وَيَغْفِرُ لَكَ مَا صَنَعْتَ، فَدُونَكَ إِذْ نَزَلَتُ بِكَ وَجِئْتُكَ بَعْدَ أَخِي الْمُرْتَحِلِ عَنْكَ، فَقَدْ ظَفَرْتَ بِخَلَفٍ مِنْهُ إِنْ عَقَلْتَ فَدَارِكْ مَا قَدْ أَضَعْتَ، وَإِنْ أَلْحَقْتَ الْآخِرَ بِالْأَوَّلِ فَمَا أَخْلَقَكَ أَنْ تَهْلَكَ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْكَ إِنَّ الَّذِي بَقِيَ مِنَ الْعُمُرِ لَا ثَمَنَ لَهُ وَلَا عِدْلَ، فَلَوْ جَمَعْتَ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَا عَدَلَتْ يَوْمًا بَقِيَ مِنْ عُمُرِ صَاحِبِهِ، فَلَا تَبِعِ الْيَوْمَ وَتَعْدِلُهُ مِنَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ ثَمَنِهِ، وَلَا يَكُونَنَّ الْمَقْبُورُ أَعْظَمَ تَعْظِيمًا لِمَا فِي يَدَيْكَ مِنْكَ وَهُوَ لَكَ، فَلَعَمْرِي لَوْ أَنَّ مَدْفُونًا فِي قَبْرِهِ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الدُّنْيَا أَوَّلُهَا إِلَى آخِرِهَا تَجْعَلُهَا لِوَلَدِكَ مِنْ بَعْدِكَ يَتَنَعَّمُونَ فِيهَا مِنْ وَرَائِكَ _ فَقَدْ كُنْتَ وَلَيْسَ لَكَ هَمٌّ غَيْرُهُمْ _ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ يَوْمٌ تُتْرَكُ فِيهِ تَعْمَلُ لِنَفْسِكَ لَاخْتَارَ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ لَيَجْمَعَ مَعَ الْيَوْمِ شَيْئًا إِلَّا اخْتَارَ الْيَوْمَ عَلَيْهِ؛ رَغْبَةً فِيهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ بَلْ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى سَاعَةٍ خُيِّرَهَا وَمَا بَيْنَ أَضْعَافِ مَا وَصَفْتُ لَكَ وَأَضْعَافِهِ يَكُونُ لِسِوَاهُ، إِلَّا اخْتَارَ السَّاعَةَ لِنَفْسِهِ عَلَى أَضْعَافِ ذَلِكَ يَكُونُ لِغَيْرِهِ، بَلْ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى كَلِمَةٍ يَقُولُهَا تُكْتَبُ لَهُ وَبَيْنَ مَا وَصَفْتُ لَكَ وَأَضْعَافِهِ لَاخْتَارَ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ عَلَيْهِ، فَانْتَقِدِ الْيَوْمَ لِنَفْسِكَ وَأَبْصِرِ السَّاعَةَ، وَأَعْظِمِ الْكَلِمَةَ، وَاحْذَرِ الْحَسْرَةَ عِنْدَ نُزُولِ السَّكْرَةِ، وَلَا تَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ لِهَذَا الْكَلَامِ حُجَّةٌ، نَفَعَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ بِالْمَوْعِظَةِ وَرَزَقَنَا وَإِيَّاكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>