حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو طَالِبِ بْنُ سَوَادَةَ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ بَحْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ سَعِيدُ بْنُ رَزِينٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَعِظُ أَصْحَابَهُ يَقُولُ: " إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ مَنْ صَحِبَهَا بِالنَّقْصِ لَهَا وَالزَّهَادَةِ فِيهَا سَعِدَ بِهَا، وَنَفَعَتْهُ صُحْبَتُهَا وَمَنْ صَحِبَهَا عَلَى الرَّغْبَةِ فِيهَا وَالْمَحَبَّةِ لَهَا شَقِيَ بِهَا وَأَجْحَفَ بِحَظِّهِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَسْلَمَتْهُ إِلَى مَا لَا صَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ فَأَمْرُهَا صَغِيرٌ وَمَتَاعُهَا قَلِيلٌ وَالْفَنَاءُ عَلَيْهَا مَكْتُوبٌ وَاللهُ تَعَالَى وَلِي مِيرَاثَهَا وَأَهْلُهَا مُحَوَّلُونَ عَنْهَا إِلَى مَنَازِلٍ لَا تَبْلَى وَلَا يُغَيِّرُهَا طُولُ الزَّمَنِ، لَا الْعُمْرُ فِيهَا يَفْنَى فَيَمُوتُونَ، وَلَا إِنْ طَالَ الثِّوَاءِ مِنْهَا يُخْرُجُونَ فَاحْذَرُوا - وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ - ذَلِكَ الْمَوْطِنَ وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ ذَلِكَ الْمُنْقَلَبِ وَاقْطَعْ يَا ابْنَ آدَمَ مِنَ الدُّنْيَا أَكْثَرَ هَمِّكَ أَوْ لَتُقْطَعَنَّ حِبَالُهَا بِكَ فَيَنْقَطِعُ ذِكْرُ مَا خُلِقْتَ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ وَيزِيغُ عَنِ الْحَقِّ قَلْبُكَ، وَتَمِيلُ إِلَى الدُّنْيَا فَتُرْدِيكَ، وَتِلْكَ مَنَازِلُ سُوءٍ بَيِّنٌ ضُرُّهَا مُنْقَطِعٌ نَفْعُهَا مُفْضِيَةٌ وَاللهِ بِأَهْلِهَا إِلَى نَدَامَةٍ طَوِيلَةٍ، وَعَذَابٍ شَدِيدٍ فَلَا تَكُونَنَّ يَا ابْنَ آدَمَ مُغْتَرًّا، وَلَا تَأْمَنْ مَا لَمْ يَأْتِكِ الْأَمَانُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْهَوْلَ الْأَعْظَمَ وَمُفْظَعَاتِ الْأُمُورِ أَمَامَكَ، لَمْ تَخْلُصْ مِنْهَا حَتَّى الْآنَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَسْلَكِ وَحُضُورِ تِلْكَ الْأُمُورِ إِمَّا يُعَافِيكَ مِنْ شَرِّهَا وَيُنَجِّيكَ مِنْ أَهْوَالِهَا وَإِمَّا الْهَلَكَةُ، وَهِيَ مَنَازِلٌ شَدِيدَةٌ مُخَوِّفَةٌ مَحْذُورَةٌ مُفْزِعَةٌ لِلْقُلُوبِ، فَلِذَلِكَ فَاعْدُدْ وَمِنْ شَرِّهَا فَاهْرَبْ وَلَا يُلْهِيَنَّكَ الْمَتَاعُ الْقَلِيلُ الْفَانِي، وَلَا تَرَبَّصْ بِنَفْسِكَ فَهِيَ سَرِيعَةُ الِانْتِقَاصِ مِنْ عُمُرِكَ فَبَادِرْ أَجَلَكَ وَلَا تُقَلِّلْ غَدًا، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى إِلَى اللهِ تَصِيرُ وَاعْلَمُوا أَنَّ النَّاسَ أَصْبَحُوا جَادِّينَ فِي زِينَةِ الدُّنْيَا يَضْرِبُونَ فِي كُلِّ غَمْرَةٍ، وَكُلٌّ مُعْجَبٌ بِمَا هُوَ فِيهِ رَاضٍ بِهِ حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَزْدَادَ مِنْهُ فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي طَاعَةِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ أَهْلُهُ وَضَاعَ سَعْيُهُ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي اللهِ وَفِي طَاعَةِ اللهِ فَقَدْ أَصَابَ أَهْلُهُ بِهِ وَجْهَ أَمْرِهِمْ وَوُفِّقُوا فِيهِ بِحَظِّهِمْ عِنْدَهُمْ كِتَابُ اللهِ وَعَهْدُهُ، وَذِكْرُ مَا مَضَى وَذِكْرُ مَا بَقِيَ وَالْخَبَرُ عَمَّنْ وَرَاءَهُمْ، كَذَلِكَ أَمَرُ اللهِ الْيَوْمَ وَقَبْلَ ذَلِكَ أَمْرُهُ فِيمَنْ مَضَى؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute