، فَلَمَّا وُضِعَتْ فِي لَحْدِهَا عَجَّ أَهْلُهَا وَبَكَوْا، فَقَالَ: مَا تَبْكُونَ؟ أَمَا وَاللهِ لَوْ عَايَنُوا مَا عَايَنَ مَيِّتُهُمْ لَأَذْهَلَتْهُمْ مُعَايَنَتُهُمْ عَنْ مَيِّتِهِمْ، وَإِنَّ لَهُ فِيهِمْ لَعَوْدَةٌ ثُمَّ عَوْدَةٌ، حَتَّى لَا يُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا ". ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: " أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي ضَرَبَ لَكُمُ الْأَمْثَالَ، وَوَقَّتَ لَكُمُ الْآجَالَ، وَجَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعًا تَعِي مَا عَنَاهَا، وَأَبْصَارًا لِتَجْلُوَ عَنْ غِشَاهَا، وَأَفْئِدَةً تَفْهَمُ مَا دَهَاهَا فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا وَمَا أَعْمَرَهَا، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، وَلَمْ يَضْرِبْ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا، بَلْ أَكْرَمَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ، وَأَرْفَدَكُمْ بِأَوْفَرِ الرَّوَافِدِ، وَأَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ، وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَجِدُّوا فِي الطَّلَبِ، وَبَادِرُوا بِالْعَمَلِ مُقَطِّعَ النَّهَمَاتِ، وَهَادِمَ اللَّذَّاتِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا، وَلَا تُؤْمَنُ فَجَائِعُهَا، غَرُورٌ حَائِلٌ، وَشَبَحٌ فَائِلٌ، وَسِنَادٌ مَائِلٌ، يَمْضِي مُسْتَطْرِفًا، وَيُرْدِي مُسْتَرْدِفًا، بِإِتْعَابِ شَهَوَاتِهَا، وَخَتْلِ تَرَاضِعِهَا، اتَّعِظُوا عِبَادَ اللهِ بِالْعِبَرِ، وَاعْتَبِرُوا بِالْآيَاتِ وَالْأَثَرِ، وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ، وَانْتَفِعُوا بِالْمَوَاعِظِ، فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ، وَضَمَّكُمْ بَيْتُ التُّرَابِ، وَدَهَمَتْكُمْ مُقَطَّعَاتُ الْأُمُورِ بِنَفْخَةِ الصُّورِ، وَبَعْثَرَةِ الْقُبُورِ، وَسِيَاقَةِ الْمَحْشَرِ، وَمَوْقِفِ الْحِسَابِ بِإِحَاطَةِ قُدْرَةِ الْجَبَّارِ، كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ يَسُوقُهَا لِمَحْشَرِهَا، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا، {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وَوُضِعَ الْكِتَابُ، وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الزمر: ٦٩]، فَارْتَجَّتْ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الْبِلَادُ، وَنَادَى الْمُنَادِ، وَكَانَ يَوْمُ التَّلَاقِ، وَكُشِفَ عَنْ سَاقٍ، وَكُسِفَتِ الشَّمْسُ، وَحُشِرَتِ الْوُحُوشُ مَكَانَ مَوَاطِنِ الْحَشْرِ، وَبَدَتِ الْأَسْرَارُ، وَهَلَكَتِ الْأَشْرَارُ، وَارْتَجَّتِ الْأَفْئِدَةُ، فَنَزَلَتْ بِأَهْلِ النَّارِ مِنَ اللهِ سَطْوَةٌ مُجِيخَةٌ، وَعُقُوبَةٌ مَنِيحَةٌ، وَبَرَزَتِ الْجَحِيمُ لَهَا كَلَبٌ وَلَجَبٌ، وَقَصِيفُ رَعْدٍ، وَتَغَيُّظٌ وَوَعِيدٌ، تَأَجَّجَ جَحِيمُهَا، وَغَلَى حَمِيمُهَا، وَتَوَقَّدَ سَمُومُهَا، فَلَا يُنَفَّسُ خَالِدُهَا، وَلَا تَنْقَطِعُ حَسَرَاتُهَا، وَلَا يُقْصَمُ كُبُولُهَا، مَعَهُمْ مَلَائِكَةٌ يُبَشِّرُونَ بِنُزُلٍ مِنْ حَمِيمٍ، وَتَصْلِيَةِ جَحِيمٍ، عَنِ اللهِ مَحْجُوبُونَ، وَلِأَوْلِيَائِهِ مُفَارِقُونَ، وَإِلَى النَّارِ مُنْطَلِقُونَ. عِبَادَ اللهِ اتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ مَنْ كَنَعَ فَخَنَعَ، وَوَجِلَ فَرَحَلَ، وَحَذِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute