للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوِيَّةَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: " دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ نَشَرَ مُصْحَفَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ فِيهِ وَيَبْكِي، قُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ؟ قَالَ: آيٌ فِي هَذَا الْمُصْحَفِ، قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: قَوْمٌ أَمَرُوا وَنَهَوْا فَنَجَوْا، وَقَوْمٌ لَمْ يَأْمُرُوا وَلَمْ يَنْهَوْا فَهَلَكُوا فِيمَنْ هَلَكَ فِي أَهْلِ الْمَعَاصِي، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: ١٦٣] الْآيَةَ. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ أَيْلَةَ - وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ - وَكَانَ اللهُ أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَتَفَرَّغُوا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَالُوا: بَلْ نَتَفَرَّغُ لِيَوْمِ السَّبْتِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَغَ مِنَ الْخَلْقِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَصْبَحَتِ الْأَشْيَاءُ مُسْتَوِيَةً قَائِمَةً، فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِي السَّبْتِ، فَنَهَاهُمْ عَنِ الصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ كَانَتْ تَجِيئُهُمُ الْحِيتَانُ إِلَى مَشَارِعِهِمْ شِجَاجًا سِمَانًا تَتَقَلَّبُ مِنْ ظُهُورِهَا إِلَى بُطُونِهَا آمِنَةً لَا تَخَافُ شَيْئًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} [الأعراف: ١٦٣] يَعْنِي إِلَى مَشَارِعِهِمْ، فَإِذَا كَانَ عَشِيَّةُ يَوْمِ السَّبْتِ لَيْلَةُ الْأَحَدِ ذَهَبَتْ عَنْهُمُ الْحِيتَانُ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ السَّبْتِ، فَأَصَابَ الْقَوْمَ جَهْدٌ شَدِيدٌ، وَكَانَتْ مَتْجَرَهُمْ وَكَسْبَهُمْ، فَانْطَلَقَتْ أَمَةٌ مِنْ إِمَاءِ الْقَوْمِ فَاصْطَادَتْ سَمَكَةً فِي يَوْمِ السَّبْتِ، ثُمَّ جَعَلَتْهَا فِي جَرَّتِهَا، فَأَكَلَتْهَا يَوْمَ الْأَحَدِ فَلَمْ تَضُرَّهَا، وَذَلِكَ أَنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ الَّذِي لَعَنَ مَنِ اعْتَدَى فِي يَوْمِ السَّبْتِ - فَقَالَتِ الْأَمَةُ لِمَوَالِيهَا: اصْطَدْتُ يَوْمَ السَّبْتِ وَأَكَلْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ فَلَمْ يَضُرَّنِي، فَصَادَ مَوَالِيهَا يَوْمَ السَّبْتِ وَانْتَفَعُوا بِهَا يَوْمَ الْأَحَدِ وَبَاعُوهَا حَتَّى كَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ، فَفَطِنَ النَّاسُ وَاجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَصِيدُوا يَوْمَ السَّبْتِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا نَدَعُكُمْ تَصِيدُونَ يَوْمَ السَّبْتِ، فَجَاءَ قَوْمٌ فَدَاهَنُوا، فَقَالُوا {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الأعراف: ١٦٤] الْآيَةَ. قَالَ الَّذِينَ أَمَرُوا وَنَهَوْا {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ ⦗٣٣١⦘ يَتَّقُونَ} [الأعراف: ١٦٤] يَعْنِي: يَنْتَهُونَ عَنِ الصَّيْدِ، فَلَمَّا نَهَوْهُمْ رَدُّوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّمَا نَهَانَا اللهُ عَنْ أَكْلِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْ صَيْدِهَا، قَالَ: فَوَاقَعُوا الصَّيْدَ يَوْمَ السَّبْتِ، قَالَ: فَخَرَجَ الَّذِينَ أَمَرُوا وَنَهَوْا عَنْ مَدِينَتِهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَوْا بَعَثَ اللهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَصَاحَ بِهِمْ صَيْحَةً، فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ خَاسِئُونَ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحُوا لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ: فَبَعَثُوا رَجُلًا فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَرَ فِي الْمَدِينَةِ أَحَدًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَدَخَلَ الدُّورَ فَلَمْ يَرَ فِي الدُّورِ أَحَدًا، فَدَخَلَ الْبُيوتَ فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ قِيَامٌ فِي زَوَايَا الْبُيوتِ، فَجَاءَ فَفَتَحَ الْبَابَ فَنَادَى: يَا عَجَبًا قِرَدَةٌ لَهَا أَذْنَابٌ تَتَعَاوَى، قَالَ: فَدَخَلُوا إِلَيْهِمْ فَكَانَتِ الْقِرَدَةُ تَعْرِفُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْإِنْسِ، وَالْإِنْسُ لَا تَعْرِفُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْقِرَدَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأعراف: ١٦٥] يَعْنِي: فَلَمَّا تَرَكُوا مَا وُعِظُوا بِهِ وَخُوِّفُوا بِعَذَابِ اللهِ أَخَذْنَاهُمْ {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: ١٦٥] أَيْ: شَدِيدٍ {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ} [الأعراف: ١٦٦] يَعْنِي: لَمَّا تَمَادُوا وَاجْتَرَءُوا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ {قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: ١٦٦] أَيْ صَاغِرِينَ {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة: ٦٦] مِنَ الْأُمَمِ أَيْ: أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا خَلْفَهَا مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٦٦] مِنَ الشِّرْكِ، يَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَمَاتَهُمُ اللهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَهُمُ اللهُ فِي صُورَةِ الْإِنْسِ فَيُدْخِلُ النَّارَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ وَيُحَاسِبُ الَّذِينَ لَمْ يَأْمُرُوا وَلَمْ يَنْهَوْا بِأَعْمَالِهِمْ، وَكَانَ الْمَسْخُ عُقُوبَةً فِي الدُّنْيَا حِينَ تَرَكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ الْمُدَاهِنُونَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْتُ لَهُ {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: ١٦٥] " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلَكَ وَاللهِ الْقَوْمُ، قَالَ: فَكَسَانِي ابْنُ عَبَّاسٍ ثَوْبَيْنِ "

<<  <  ج: ص:  >  >>