حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا غَالِبُ بْنُ وَزِيرٍ الْغَزِّيُّ، ثَنَا ضَمْرَةُ، ثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَقَدْ بَاعَ مَا كَانَ لَهُ بِهَا وَهَمَّ بِسُكْنَى الْبَصْرَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْبَصْرَةَ وَهَمَّ بِالْخُرُوجِ إِلَى مَكَّةَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ سَأَلَ لِمَنْ يُودِعُ الْعَشَرَةَ ⦗١٥١⦘ آلَافِ دِرْهَمٍ؟ فَقِيلَ: لِحَبِيبٍ أَبِي مُحَمَّدٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي حَاجٌّ وَامْرَأَتِي وَهَذِهِ الْعَشَرَةُ الْآلَافِ دِرْهَمٍ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَ بِهَا مَنْزِلًا بِالْبَصْرَةِ، فَإِنْ وَجَدْتَ مَنْزِلًا وَيخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ لَنَا بِهَا فَافْعَلْ، وَسَارَ الرَّجُلُ إِلَى مَكَّةَ فَأَصَابَ النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ مَجَاعَةٌ فَشَاوَرَ حَبِيبٌ أَصْحَابَهُ أَنْ يشْتَرِيَ بِالْعَشَرَةِ آلَافٍ دَقِيقًا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّمَا وَضَعَهَا لِتَشْتَرِيَ بِهَا مَنْزِلًا، فَقَالَ: أَتَصَدَّقُ بِهَا وَأَشْتَرِي لَهُ بِهَا مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ، فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا دَفَعْتُ إِلَيْهِ دَرَاهِمَهُ، قَالَ: فَاشْتَرَى دَقِيقًا وَخَبَزَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْخُرَاسَانِيُّ مِنْ مَكَّةَ أَتَى حَبِيبًا فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنَا صَاحِبُ الْعَشَرَةِ الْآلَافِ فَمَا أَدْرِي أشْتَرَيْتَ لَنَا بِهَا مَنْزِلًا أَوْ تَرُدُّهَا عَلَيَّ فَأَشْتَرِي أَنَا بِهَا، فَقَالَ: لَقَدِ اشْتَرَيْتُ لَكَ مَنْزِلًا فِيهِ قُصُورٌ وَأَشْجَارٌ وَثِمَارٌ وَأَنْهَارٌ، فَانْصَرَفَ الْخُرَاسَانِيُّ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَرَى قَدِ اشْتَرَى لَنَا حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ مَنْزِلًا إِنِّي أُرَاهُ كَانَ لِبَعْضِ الْمُلُوكِ قَدْ عَظَّمَ أَمْرَهُ وَمَا فِيهِ قَالَ: ثُمَّ أَقَمْتُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَأَتَيْتُ حَبِيبًا فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ الْمَنْزِلُ، فَقَالَ: قَدِ اشْتَرَيْتُ لَكَ مِنْ رَبِّي مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ بِقُصُورِهِ وَأَنْهَارِهِ وَوُصَفَائِهِ فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ حَبِيبًا إِنَّمَا اشْتَرَى لَنَا مِنْ رَبِّهِ الْمَنْزِلَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَتْ: يَا فُلَانُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ وَفَّقَ اللهُ حَبِيبًا وَمَا قَدْرُ مَا يَكُونُ لُبْثُنَا فِي الدُّنْيَا، فَارْجِعْ إِلَيْهِ فَلْيَكْتُبْ لَنَا كِتَابًا بِعُهْدَةِ الْمَنْزِلِ قَالَ: فَأَتَيْتُ حَبِيبًا فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَبْلِنَا مَا اشْتَرَيْتَ لَنَا فَاكْتُبْ لَنَا كِتَابَ عُهْدَةٍ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَدَعَا مَنْ يَكْتُبُ لَهُ الْكِتَابَ فَكَتَبَ: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا اشْتَرَى حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِفُلَانٍ الْخُرَاسَانِيِّ اشْتَرَى لَهُ مِنْهُ مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ بِقُصُورِهِ وَأَنْهَارِهِ وَأَشْجَارِهِ وَوُصَفَائِهِ وَوَصِيفَاتِهِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَعَلَى رَبِّهِ تَعَالَى أَنْ يَدْفَعَ هَذَا الْمَنْزِلَ إِلَى فُلَانٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَيُبَرِّئُ حَبِيبًا مِنْ عُهْدَتِهِ». فَأَخَذَ الْخُرَاسَانِيُّ الْكِتَابَ وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا فَأَقَامَ الْخُرَاسَانِيُّ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَوْصَى إِلَى امْرَأَتِهِ إِذَا غَسَّلْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي فَادْفَعِي هَذَا الْكِتَابَ إِلَيْهِمْ يَجْعَلُوهُ فِي أَكْفَانِي فَفَعَلُوا، وَدُفِنَ الرَّجُلُ الْخُرَاسَانِيُّ فَوَجَدُوا عَلَى ظَهْرِ ⦗١٥٢⦘ قَبْرِهِ مَكْتُوبًا فِي رَقٍّ كِتَابًا أَسْوَدَ فِي ضَوْءِ الرِّقِّ بَرَاءَةٌ لِحَبِيبٍ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنَ الْمَنْزِلِ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِفُلَانٍ الْخُرَاسَانِيِّ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَدْ دَفَعَ رَبُّهُ إِلَى الْخُرَاسَانِيِّ مَا شَرَطَ لَهُ حَبِيبٌ وَأَبْرَأَهُ مِنْهُ فَأُتِيَ حَبِيبٌ بِالْكِتَابِ فَجَعَلَ يَقْرَؤُهُ وَيُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي وَيَمْشِي إِلَى أَصْحَابِهِ وَيَقُولُ: هَذِهِ بَرَاءَتِي مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute