الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ شُهَدَاءِ أُمَّتِي رَجُلٌ قَامَ إلَى إمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَاهُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَتَلَهُ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ الشَّهِيدُ مَنْزِلَتُهُ فِي الْجَنَّةِ بَيْنَ حَمْزَةَ، وَجَعْفَرٍ» .
وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمُقْرِي قَالَ: كَانَ أَبُو الْحَسَنِ النُّورِيُّ رَجُلًا قَلِيلَ الْفُضُولِ لَا يَسْأَلُ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ، وَلَا يُفَتِّشُ عَمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَكَانَ إذَا رَأَى مُنْكَرًا غَيَّرَهُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ تَلَفُهُ فَنَزَلَ ذَاتَ يَوْمٍ إلَى مَشْرَعَةٍ تُعْرَفُ بِمَشْرَعَةِ الْفَحَّامِينَ يَتَطَهَّرُ لِلصَّلَاةِ إذْ رَأَى زَوْرَقًا فِيهِ ثَلَاثُونَ دَنًّا مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا بِالْقَارِ لُطْفٌ، فَقَرَأَهُ، وَأَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ فِي التِّجَارَاتِ، وَلَا فِي الْبُيُوعِ شَيْئًا يُعَبِّرُ عَنْهُ لُطْفٌ فَقَالَ لِلْمَلَّاحِ: أَيُّ شَيْءٍ هَذِهِ الدِّنَانُ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ عَلَيْك امْضِ لِشُغْلِك فَلَمَّا سَمِعَ النُّورِيُّ مِنْ الْمَلَّاحِ هَذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ تَعَطُّشًا إلَى مَعْرِفَتِهِ فَقَالَ: لَهُ أُحِبُّ أَنْ تُخْبِرَنِي أَيَّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الدِّنَانِ فَقَالَ الْمَلَّاحُ: أَنْتَ وَاَللَّهِ صُوفِيٌّ فُضُولِيٌّ هَذَا خَمْرٌ لِلْمُعْتَضِدِ يُرِيدُ أَنْ يُتَمِّمَ بِهِ مَجْلِسَهُ، فَقَالَ النُّورِيُّ: هَذَا خَمْرٌ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ أُرِيدُ أَنْ تُعْطِينِي الْمُدْرَى فَاغْتَاظَ الْمَلَّاحُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لِغُلَامِهِ أَعْطِهِ الْمُدْرَى حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ فَلَمَّا صَارَتْ الْمُدْرَى فِي يَدِهِ صَعِدَ إلَى الزَّوْرَقِ فَلَمْ يَزَلْ يُكَسِّرُهَا دَنًّا دَنًّا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا إلَّا دَنًّا، وَاحِدًا، وَالْمَلَّاحُ يَسْتَغِيثُ إلَى أَنْ رَكِبَ صَاحِبُ الْجِسْرِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُوسَى بْنُ أَفْلَحَ فَقَبَضَ عَلَى النُّورِيِّ، وَأَشْخَصَهُ إلَى حَضْرَةِ الْمُعْتَضِدِ، وَكَانَ الْمُعْتَضِدُ سَيْفُهُ قَبْلَ كَلَامِهِ، وَلَمْ يَشُكَّ النَّاسُ أَنَّهُ سَيَقْتُلُهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَدَخَلْت عَلَيْهِ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ حَدِيدٍ، وَبِيَدِهِ عَمُودٌ يُقَلِّبُهُ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْت: مُحْتَسِبٌ قَالَ مَنْ وَلَّاك الْحِسْبَةَ قُلْت الَّذِي وَلَّاك الْإِمَامَةَ، وَلَّانِي الْحِسْبَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَأَطْرَقَ إلَى الْأَرْضِ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute