للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طَعَامًا مُحْتَكَرًا بِالنَّارِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ لِلْوَالِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ

إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ

. وَأَقُولُ وَلَهُ أَنْ يَكْسِرَ الظُّرُوفَ الَّتِي فِيهَا الْخُمُورُ زَجْرًا، وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْكِيدًا لِلزَّجْرِ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ وَلَكِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى الزَّجْرِ وَالْفِطَامِ شَدِيدَةً، وَإِذَا رَأَى الْوَالِي بِاجْتِهَادٍ مِثْلَ تِلْكَ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مَنُوطًا بِنَوْعِ اجْتِهَادٍ رَقِيقٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ، فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ لِلسُّلْطَانِ زَجْرُ النَّاسِ عَنْ الْمَعَاصِي بِإِتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ وَتَخْرِيبِ دُورِهِمْ الَّتِي فِيهَا يَشْرَبُونَ وَيَعْصُونَ وَإِحْرَاقِ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَتَوَصَّلُونَ بِهَا إلَى الْمَعَاصِي؟ فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ لَمْ يَكُنْ خَارِجًا عَنْ سُنَنِ الْمَصَالِحِ وَلَكِنَّا لَا نَبْتَدِعُ الْمَصَالِحَ بَلْ نَتْبَعُ فِيهَا وَكَسْرُ ظُرُوفِ الْخَمْرِ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ لَا يَكُونُ نَسْخًا بَلْ الْحُكْمُ يَزُولُ بِزَوَالِ الْعِلَّةِ وَيَعُودُ بِعَوْدِهَا، فَإِنَّمَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ لِلْإِمَامِ بِحُكْمِ الِاتِّبَاعِ وَمَنَعْنَا آحَادَ الرَّعِيَّةِ مِنْهُ لِخَفْيِ وَجْهِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ بَلْ نَقُولُ لَوْ أُرِيقَتْ الْخُمُورُ أَوَّلًا فَلَا يَجُوزُ كَسْرِ الْأَوَانِي بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا جَازَ كَسْرُ الْأَوَانِي تَبَعًا لِلْخَمْرِ فَإِذَا خَلَتْ عَنْهَا فَهُوَ إتْلَافُ مَالٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ ضَارِبَةً بِالْخَمْرِ لَا تَصْلُحُ إلَّا لَهَا فَهَذِهِ تَصَرُّفَاتٌ فِقْهِيَّةٌ يَحْتَاجُ الْمُحْتَسِبُ لَا مَحَالَةً لِمَعْرِفَتِهَا.

[فَصَلِّ مَرَاتِب الْحَسَبَة]

(فَصْلٌ) وَاعْلَمْ أَنَّ مَرَاتِبَ الْحِسْبَةِ الْأَوَّلُ بِالنَّهْيِ، وَالثَّانِي بِالْوَعْظِ، وَالثَّالِثُ بِالرَّدْعِ وَالزَّجْرِ، أَمَّا الزَّجْرُ يَكُونُ عَنْ الْمُسْتَقْبِلِ وَالْعُقُوبَةُ تَكُونُ عَنْ الْمَاضِي وَالدَّفْعُ عَنْ الْحَاضِرِ الرَّاهِنِ، فَلَيْسَ إلَى آحَادِ الرَّعِيَّةِ إلَّا الدَّفْعُ وَهُوَ إعْدَامُ الْمُنْكِرِ فَمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ إعْدَامِ الْمُنْكِرِ فَهُوَ إمَّا عُقُوبَةٌ عَلَى جَرِيمَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ زَجْرٌ عَنْ لَاحِقٍ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْوُلَاةِ لَا إلَى الرَّعِيَّةِ، وَلَا

<<  <   >  >>