فَإِنْ رَأَى الْمُحْتَسِبُ رَجُلًا يَتَعَرَّضُ لِمَسْأَلَةِ النَّاسِ، وَطَلَبِ الصَّدَقَةِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ غَنِيٌّ إمَّا بِمَالٍ أَوْ عَمَلٍ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ، وَأَدَّبَهُ فِيهِ، وَكَانَ الْمُحْتَسِبُ أَخَصَّ بِالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ رَأَى عَلَيْهِ آثَارَ الْغِنَى، وَهُوَ يَسْأَلُ النَّاسَ أَعْلَمَهُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ، وَعَلَى الْمُسْتَغْنِي عَنْهَا، وَلَمْ يُنْكِرْهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاطِنِ فَقِيرًا، وَإِذَا تَعَرَّضَ لِلْمَسْأَلَةِ ذُو جَلَدٍ، وَقُوَّةٍ عَلَى الْعَمَلِ زَجَرَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلِاحْتِرَافِ بِعَمَلِهِ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ عَزَّرَهُ حَتَّى يُقْلِعَ عَنْهَا، وَهَكَذَا لَوْ ابْتَدَعَ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ قَوْلًا خَرَقَ الْإِجْمَاعَ، وَخَالَفَ فِيهِ النَّصَّ، وَرَدَّ قَوْلَهُ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ، أَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَزَجَرَهُ عَنْهُ فَإِنْ أَقْلَعَ، وَتَابَ، وَإِلَّا فَالسُّلْطَانُ بِتَهْذِيبِ الدِّينِ أَحَقُّ.
وَإِذَا تَعَرَّضَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَأْوِيلِ عَدَلَ فِيهِ عَنْ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ إلَى بَاطِنِ بِدْعَةٍ يَتَكَلَّفُ لَهُ إغْمَاضَ مَعَانِيهِ أَوْ انْفَرَدَ بَعْضُ الرُّوَاةِ بِأَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ تَنْفِرُ مِنْهَا النُّفُوسُ أَوْ يَفْسُدُ بِهَا التَّأْوِيلُ كَانَ عَلَى الْمُحْتَسِبِ إنْكَارُ ذَلِكَ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ، وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ مِنْهُ إنْكَارُهُ إذَا تَمَيَّزَ عِنْدَهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْفَاسِدِ، وَالْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ، وَذَلِكَ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِقُوَّتِهِ فِي الْعِلْمِ، وَاجْتِهَادِهِ فِيهِ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَّفِقَ عُلَمَاءُ الْوَقْتِ عَلَى إنْكَارِهِ، وَابْتِدَاعِهِ فَيَسْتَعْدُونَهُ فِيهِ فَيُعَوِّلَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى أَقَاوِيلِهِمْ، وَفِي الْمَنْعِ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ فَإِنَّ الْخَطَرَ عَظِيمٌ، وَالْمُحْتَسِبُ الْجَاهِلُ إنْ خَاضَ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ كَانَ مَا يُفْسِدُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ، وَلِهَذَا قَالُوا الْعَامِّيُّ لَا يَحْتَسِبُ إلَّا فِي الْجَلِيَّاتِ، فَأَمَّا مَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ مُنْكَرًا بِالْإِضَافَةِ، وَيَفْتَقِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute