للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَحَاكَمُوا إلَيْنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَاكِمُ الْكُفَّارِ فَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا، بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ شَرِيعَتَنَا بِحَسَبِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ كَالْمُعَاهِدِينَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] فَعَلَى هَذَا إنْ تَرَاضَوْا حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَيُشْتَرَطُ الْتِزَامُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ، هَذَا إذَا اتَّحَدَ الدِّينَانِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَصْرَانِيًّا، وَالْآخَرُ يَهُودِيًّا فَفِيهِ طَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُمَا كَافِرَانِ فَصَارَا كَمَا لَوْ كَانَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَرْضَى بِحُكْمِ مِلَّةِ الْآخَرِ، وَقِيلَ يَطَّرِدُ الْقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْحُضُورِ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَأَمَّا مَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوعًا فَاسِدَةً، وَتَقَابَضُوا ثُمَّ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا لَمْ نَنْقُضْ مَا فَعَلُوا؛ لِأَنَّهُمْ تَرَاضَوْا بِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا نُقِضَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] ، وَإِنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ

<<  <   >  >>