للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرصد والتفسير والتحليل واستخلاص النتائج، لهذه الأحداث نفسها وكذا للاتجاهات والآراء والمواقف والقضايا.. تلك التي تصنع وتقود وتوجه الأحداث نفسها على يد كتابها.. هؤلاء الذين كانوا زعماء للفكر والإصلاح معا، والذين نهض العالم كله على أيديهم، وحقق ما حققه من تطور.. وحيث كان لمقالاتهم النقدية والفلسفية والعلمية والاجتماعية والسياسية والدينية والتاريخية والوطنية.. كان لها أبعد الأثر وأعمقه في فكر أمة بأكملها، في عصر بأكمله..

ومن هنا أيضا كان حرص الصحف "الأكثر احتراما والأكثر استشعارا لدورها الوطني والاجتماعي" على أن يقوم كتابها -من داخل أسرتها أو خارجها- بتحرير المقالات ونشرها، متوجهة بها نحو قارئها.. إلى "عقله" أولا، ليقبل عليها في البداية، وفي المحل الأول دائما، ذلك العدد من القراء "العقلاء أولا" الذين يرون الأمور بعقلهم، ويتعهدونها بفكرهم ويكون للعقل دوره في حركاتهم وسكناتهم وجميع تصرفاتهم التي بها يسود كل منهم ويحرز التفوق وبها يتقدم الصفوف قبل غيره من الذين يقدمون العاطفة، أو يتبعونها أو يبحثون عما يخاطبها من المواد..

وليس معنى ذلك -بالطبع- أن المقال الصحفي لا يعترف بالعواطف، ولا مكان فيه أو عند كتابه للإحساسات والمشاعر، وإنما معناه أنه -المقال الصحفي- يخاطب العقل أولا ويتخذ من مخاطبته له طريقا إلى مخاطبة العواطف السامية والاتقاء بالإحساسات النبيلة، كل ذلك عن طريق دعوته إلى إعمال الفهم، ودفع الفكر، وتفسير المحسوس، وشرح المؤثر والربط بين هذه كلها، وبين الفكرة التي يتناولها، والنتيجة التي يمكن أن يصل إليها.

وليس معنى ذلك أيضا.. أن فنون التحرير الصحفي الأخرى، وأن أشكاله وأنماطه المتعددة كالخبر والموضوع الإخباري والقصة الإخبارية والحديث والتحقيق والتقرير والماجري.. تقتصر على مخاطبة العواطف والإحساسات وحدهما ولا تخاطب العقل، وإنما معناه أن هذه الفنون تخاطب العقل والعاطفة معا، ولكن فنون الخبر تخاطب العقل من خلال "ما هو كائن" أو "ما هو جار" وكذلك من خلال "ما يمكن أن يحدث أو ما يمكن أن يجري".. ثم تتوقف عند ذلك، لتخطو الفنون الأخرى خطوة إيجابية، أو أكثر من خطوة تؤكد رؤية المحرر وذاتيته وكيانه وتعكس فكره ورأيه وموقفه.. ولكنها -وبعضها كالتحقيق الصحفي

<<  <   >  >>