- موضوع فكري فلسفي يدل على طابع الكاتب، أنموذج آخر من نماذج الحوار من خلال العمود، ولكن الحوار هنا مع أي تلميذ، فليس هناك تلميذ مجدد، على طريقة الدكتور طه حسين، عرض أفكار الكاتب من خلال تصور حوار مع شخصية وهمية، بساطة أسلوب الكاتب ووضوحه، ووضوح شخصيته والدلالة عليها، تناثر مع تعكسه التجربة الحية، والمعاصرة المثمرة, مسئولية كاتب العمود الاجتماعية، يمكن اعتباره كذلك من علامات "الأدب الصحفي".
نحو النور:
قال التلميذ لأستاذه: ما هي القمة وما هو الحضيض؟
أجاب الأستاذ: القمة أن تملك نفسك والحضيض أن تملكك نفسك.
قال التلميذ: ولكن للناس رأيا آخر.. القمة هي الصعود إلى السلطان أو الثروة أو الجاه والحضيض عندهم هو النزول عن هذه القمة, القمة عندهم مادية والحضيض مادي.
قال الأستاذ: لو ملك الإنسان نفسه وهو على القمة ما آذاه النزول إلى الحضيض، ولكن لماذا تعتمد رأي الناس في القمة والحضيض ولا تعتمد رأس أستاذك؟
أجاب التلميذ وهو منكمش آسف: ما قصدت أن اعتمد رأيهم وأهمل رأيك, ولكنه موقف أرجو أن أعرف رأيك فيه، واعذرني فأنا أعيش مع الناس وتعيش أنت في برجك العاجي.
قال الأستاذ: الذي يعيش في البرج يرى أوضح وأبعد وأصدق وأشمل, المشترك في المعركة تضطرب رؤيته لها، الضجة والغبار والصراع والصراخ، كل أولئك يحجب الكثير من الحقائق، أما الذي يرقبها من بعيد فتتضح أمامه كافة جوانبها، فلا يلفته جانب ظاهر عن رؤية جانب آخر ربما كان أكثر أهمية وأشد أثرا, الناس متعجلون يبهرهم النصر السريع والارتفاع المفاجئ بغير نظر إلى حقائق الأمور، إلى الأساس الذي قام عليه النجاح مثلا، وقد يكون هشا، وقد يكون كذبا وخداعا وتهويشا، لا يلبث أن ينكشف فيكون الهبوط من القمة إلى الحضيض.