للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب الأخفش بعيدا، إذ أعرب "أي" اسم موصول وجعل الناس خبرا لمبتدأ محذوف، والجملة صلة، والتقدير: يا من هم الناس١. وكان يذهب إلى أن مذ ومنذ في مثل: مذ يومُ الخميس برفع يوم ومنذ يومان, ظرفان وهما خبران لما بعدهما, والجمهور على أنهما مبتدآن وما بعدهما خبر٢. وكان يرى أن ضمة غيرُ في مثل "ليس غيرُ" ليست ضمة بناء، وإنما هي ضمة إعراب، وكان يعربها اسم ليس والخبر محذوف٣.

ومن المؤكد أن كثيرا من الصور النحوية في التعبيرات والصيغ أثارها الأخفش لأول مرة، ونضرب لذلك مثلا ما ذهب إليه النحاة من أن الأفعال المؤثرة إذا وقعت من الفاعل بنفسه لم يجز أن تتعدى إلى ضميره، فلا يقال: كلمتُني أي: كلمت نفسي, ولا كلمتَك أي: كلمت أنت نفسك. وإنما لم يجز ذلك؛ لأن هذه الأفعال المتعدية إنما تقع على غير المتكلم, وأما أفعال الإنسان بنفسه فالأصل أن لا تتعدى مثل: قام وذهب وخرج وانطلق. واستثنى النحاة من هذه القاعدة باب ظن والفعلين: فقد وعدم، إذ جاء عن العرب: ظننتني وفقدتني وعدمتني، واستثنى النحاة أيضا الفعل ضرب، تقول: ما ضربني إلا أنا. وهذا الاستثناء جعل الأخفش يثير صورتين من التعبير في باب الاشتغال؛ لبيان حق المشغول عنه من النصب والرفع، وهما: "أزيدا لم يضربه إلا هو", و"أزيد لم يضرب إلا إياه" وحاول أن يضع قاعدة عامة بها ننصب ونرفع، وهي أننا نحمل المشغول عنه على الضمير الذي يمكن أن نستغني عنه بذكره، أما في المثال الأول فإننا لو جعلنا زيدا مكان الهاء في قولك: "أزيد لم يضربه إلا هو" استقام الكلام؛ لأن ضمير الفاعل ضمير منفصل، فكأننا قلنا: "أزيدا لم يضربه إلا عمرو" ولو حملناه على الضمير المتصل فرفعناه؛ صار تقدير العبارة: "أزيد لم يضربه" وهي عبارة فاسدة. وبالمثل "أزيد لم يضرب إلا إياه" ينبغي رفع زيد حملا على ضميره الذي في يضرب؛ لأننا إذا قلنا: "ألم يضرب زيد إلا إياه" استقام الكلام، ولو نصبنا زيدا حملا على إياه، فقلنا: "أزيدا لم يضرب إلا إياه" ثم حذفنا


١ المغني ص٤٧٠.
٢ المغني ص٣٧٣.
٣ المغني ص١٧٠.

<<  <   >  >>