للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضمير الذي حملنا زيدا عليه وصار التقدير: "أزيدا لم يضرب"؛ اضطرب الكلام ولم يحصل المراد منه١. وتحليل الأخفش لهاتين العبارتين هو الذي ألهم ابن مضاء أن يضع قاعدة عامة لباب الاشتغال تريح الناشئة من معرفة الأحكام المعقدة في نصب المشغول عنه ورفعه، وهي تتلخص في أن الاسم المتقدم إذا عاد عليه ضمير منصوب أو ضمير متصل بمنصوب كان حقه النصب, وإن عاد عليه ضمير مرفوع أو متصل بمرفوع كان حقه الرفع٢.

ونستطيع أن نلاحظ من كل ما تقدم أن عقل الأخفش كان عقلا خصبا أمدّه بما لا يكاد يحصى من الآراء الجديدة التي خالف فيها ما سجله سيبويه في كتابه، وقد فسح للقياس على الأشعار الشاذة التي لا تطرد مع قوانين أستاذه النحوية، كما فسح للقراءات واحتج بها مهما خالفت قواعد النحو القياسية عند سيبويه. وعلى نحو ما كان يخالف سيبويه في كثير من مسائل النحو, كان يخالفه في كثير من مسائل الصرف. من ذلك أن الجمهور كان يمنع اشتقاق صيغة التعجب من غير الفعل الثلاثي، وجوّزها الأخفش من كل فعل مزيد مثل: ما أتقنه وما أخطأه، كما جوزها من العاهات، وتبعه في ذلك الكسائي مثل: ما أعوره٣. والقياس في جمع مثل فرزدق حذف الرابع فيقال: فرازق، وكان الأخفش -وتبعه الكوفيون- يجيز حذف الحرف الثالث، فيقال في فرزدق: فرادق٤. وكان سيبويه يذهب في نسب فَعُولة مثل حمولة إلى حذف التاء والواو فيقال: حَمُلِيّ، وذهب الأخفش إلى أن النسب إليه على لفظه فيقال: حمولي، لما سمع عن العرب من نسبتهم إلى أزد شنوءة: شنوئي٥. وكان سيبويه ينسب إلى مثل بنت بنوي كالنسب إلى مذكرها وهو ابن، وكان الأخفش يحذف التاء ويبقي ما قبلها على سكونه وما قبل الساكن على حركته، فيقول في بنت: "بِنْوي" بكسر الباء وسكون النون٦. وكان سيبويه ينسب إلى شاه: شاهي بإبقاء الألف


١ انظر شرح السيرافي على سيبويه "مخطوطة دار الكتب المصرية" المجلد الأول, الورقة ٤٢٦ وما بعدها.
٢ راجع كتاب الرد على النحاة لابن مضاء القرطبي "نشر دار الفكر العربي" ص٣٠.
٣ الهمع ٢/ ١٦٦.
٤ الهمع ٢/ ١٨١.
٥ الهمع ٢/ ١٩٥.
٦ الهمع ٢/ ١٩٧.

<<  <   >  >>