الكلية العامة للنحو، كما تصوره هو وأستاذه، أو بعبارة أدق: يريد أن يبعدها عن ألسنة الناس، حتى تستقيم لألسنتهم عربيتهم في أفصح هيئة ممكنة.
غير أن الكسائي -فيما يظهر لنا- رأى أن يعاد النظر في هذا التأصيل العام لقواعد النحو, وأن يفسح فيها للقراءات واللغات الشاذة، وبذلك خرج إلى صورة جديدة من النحو، صورة لا تتفق والمناهج الدقيقة في وضع العلوم التي تقتضي في قواعدها الاطراد والتعميم والشمول، ولكنها على كل حال فتحت الأبواب لا للاحتفاظ بالحروف الشاذة في قراءات الذكر الحكيم, فهذه كانت ستحتفظ بها الأجيال العربية لتعلقها بالدين الحنيف، وإنما للاحتفاظ بشواذ اللغات واللهجات وصونها وحمايتها من الضياع. ولا أظننا في حاجة إلى أن نبدئ ونعيد في أن البصريين عُنوا بهذه الشواذ وتسجيلها، ولكنها عناية من باب آخر، إذ أرادوا أن يوضحوا الهجنة في استخدامها وأن يحصنوا قواعدهم وألسنة الناس منها, وبذلك تعاون الطرفان المتعارضان على إثباتها، مع اختلاف الغاية.
ونبدأ بما وقف عنده الكسائي من بعض حروف في القراءات، فمن ذلك الآية الكريمة:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} فقد لاحظ أن كلمة {وَالصَّابِئُونَ} عطفت بالرفع على اسم إن المنصوب قبل تمام الخبر، وهو {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فوضع قاعدة عامة: أنه يجوز العطف على موضع إن واسمها، وموضعهما الابتداء وهو مرفوع، قبل مجيء الخبر، فيقال: إن محمدا وعلي مسافران. ومنع ذلك البصريون، وأجابوا عن الآية جوابين: أحدهما: أن خبر إن محذوف تقديره: مأجورون أو آمنون أو فرحون، والصابئون مبتدأ وما بعده خبره، واستشهدوا لذلك بقول بعض الشعراء:
خليليَّ هل طِب فإني وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى دنفان
أي: فإني دنف كما تدل على ذلك بقية العبارة. والجواب الثاني: أن الخبر المذكور في الآية خبر إن، أما {وَالصَّابِئُونَ} فخبرها محذوف، تقديره: كذلك، واستشهدوا لهذا الجواب بقول ضابئ بن الحارث البرجمي: