وله في نواصب المضارع أحكام كثيرة لا تسندها الشواهد ولا القياس، من ذلك أن سيبويه كان لا يجوز الفصل بين "لن" والفعل المضارع المنصوب بعدها، وتابعه في ذلك البصريون وهشام، وخالفه الكسائي، فجوز الفصل بين لن والفعل بالقسم وبمعموله، فتقول: "لن والله أقرأ الكتاب", و"لن الكتاب أقرأ", وأحس الفراء ما في المثال الأخير من النبوّ، فلم يوافقه إلا على الفصل بالقسم، غير أنه عاد فجوز الفصل بكلمة أظن مسيغا أن يقال: "لن أظن أزورك" بالنصب، وكذلك بالشرط مثل: "لن -إن تزرني- أزورك" وهما صيغتان نابيتان وليس هناك ما يؤيدهما من الشواهد١. ومن هذا الباب أن البصريين وهشاما ومن تابعه من الكوفيين كانوا لا يجيزون الفصل بين كي ومعمولها إلا بما ولا الزائدتين، مثل: "جئت كيما أتعلم" و {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} وجوز الكسائي الفصل بينها وبين الفعل بمعموله مطلقا. وأغرب من ذلك أنه جوز أن يتقدم عليها المعمول للفعل مثل: "جئت الرياضةَ كي أتعلم"٢. ومن ذلك أن جمهور البصريين كان يجيز الفصل بين إذن ومعمولها بلا النافية وبالقسم؛ لورود ذلك في الاختيار وفي الشعر مثل:
إذن والله نرميَهم بحرب
وتوسع الكسائي -وتبعه هشام- فجوز الفصل بمعمول الفعل مطلقا مثل: "إذن صاحبك أكرم" ويبقي الكسائي لإذن عملها، ويلغيه هشام رافعا للمضارع. وكان سيبويه والبصريون يشترطون لنصبها المضارع أن تكون في صدر العبارة، وسمع الكسائي بعض الرجاز يقول:
لا تتركنِّي فيهم شطيرا ... إني إذن أهلك أو أطيرا٣
فذهب إلى إلغاء هذا الشرط بعد إنّ، وقاس عليها كان، تقول: "كان عبد الله إذن يكرمك" وتوقف تلميذه الفراء، فوافقه في إنّ وخالفه في كان، رافضًا ما ارتآه أستاذه من هذا القياس٤.
وواضح مما قدمنا أن الكسائي كان يتوسع أحيانا في القياس, وأنه كان يدلي
١ الهمع ٢/ ٤.
٢ الهمع ١/ ٨٨، ٢/ ٦.
٣ شطيرا: غريبا.
٤ معاني القرآن للفراء ١/ ٢٧٤, والهمع ١/ ٧، والمغني ص١٦ حيث ذكر ابن هشام أن البصريين يتأولون البيت على أن خبر إن محذوف, تقديره: إني لا أقدر على ذلك, واستأنف الشاعر ما بعده.