للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالحركات كما في المفردات, وإما أن تكون بالحروف كما في المثنى وأنه كان ينبغي لذلك أن يختارا إعرابا لها, إما بالحروف كما ذهب سيبويه، وإما بالحركات كما ذهب الأخفش١. ومن ذلك أن سيبويه والبصريين كانوا يعربون ضمير الفصل في مثل: "محمد هو الشاعر" على أنه لا محل له من الإعراب، وذهب الكسائي إلى أن محله محل ما بعده رفعا أو نصبا كالمثال السابق, ومثل: "كان محمد هو المسافر" وكأنما تنبه الفراء إلى ما في هذا الرأي من خلل، إذ تعرب "هو" بتاليها قبل النطق به، فذهب إلى أن إعرابها هو إعراب ما قبلها، ففي مثل: "كان محمد هو المسافر" محلها الرفع, وفي مثل: "إن محمدا هو المسافر" محلها النصب، بينما محلها الرفع في تقدير الكسائي. وكل ذلك أعفانا منه سيبويه والبصريون؛ لأنه لا يترتب عليه شيء في النطق فضلا عن البعد في تقدير المحل المزعوم٢. ومن ذلك إعراب صيغة الاشتغال في مثل: "الكتابَ قرته" بنصب الكتاب, فإن سيبويه والبصريين يجعلون الكتاب وما يماثله مفعولا به لفعل يفسره المذكور، وذهب الكسائي إلى أنه مفعول للفعل التالي والضمير المتصل به ملغى، ورده البصريون بأن الفعل قد يكون لازما مثل: "الكتابَ نظرت فيه" فلا يصح تعديه المفعول السابق. وكأنما أحسّ الفراء ما في رأي أستاذه من خلل لا من هذه الناحية, ولكن من ناحية إلغاء الضمير، فقال: إن الفعل عامل في الضمير والمفعول المتقدم معا، ورُد بتعدي الفعل اللازم وأن الفعل المتعدي لواحد يصبح متعديا لمفعولين في مثل: "الكتابَ قرأته" وهو نقض للقواعد المقررة في لزوم الأفعال وتعديها إلى واحد أو أكثر٣.

ولعل في كل ما قدمنا ما يصور إمامة الكسائي لمدرسة الكوفة النحوية والأسس التي وضعها لقيامها، وهي أسس تقوم على الاتساع في الرواية والقياس والنفوذ إلى أحكام وآراء لم تقع في خاطر البصريين، سواء سندتها الشواهد أو لم تسندها، مع كل ما يمكن من مخالفتهم في توجيه الإعراب في الصيغ والعبارات.


١ الهمع ١/ ٣٨.
٢ الهمع ١/ ٦٨.
٣ الهمع ٢/ ١١٤.

<<  <   >  >>