للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل

وهو إبعاد في الفهم والتقدير١. وعلى شاكلته ذهابه إلى أن كيف قد تأتي حرف عطف، وأنشد على ذلك قول بعض الشعراء:

إذا قل مال المرء لانت قناته ... وهان على الأدنى فكيفَ الأباعد

وهو خطأ واضح لاقترانها -كما قال ابن هشام- بالفاء، وقد خرجها على مضاف محذوف، تقديره: فيكف حال الأباعد. ويمكن أن يكون جر الأباعد ضرورة شعرية, وأن البيت من قصيدة مكسورة الدال٢. وله من هذا القبيل آراء يغرب فيها إغرابا بعيدا، من ذلك أنه كان يذهب إلى أن الفاعل ونائب الفاعل قد يكونان جملة مثل: "يعجبني تقوم", والجمهور يؤول ما قد يظن فيه ذلك من صور الكلام٣. وكان يذهب في مثل: "مؤدبني" إلى أن النون فيها تنوين لا نون، حتى يفسح لإعمال اسم الفاعل في الياء النصب، ورد ذلك ابن هشام بأنها لو كانت تنوينا لما دخلت على اسم الفاعل الألف واللام في مثل: "الموافيني" من قول الشاعر:

وليس الموافيني ليُرْفَدَ٤ خائبا٥

ومن ذلك أن البصريين وجمهور النحاة كانوا لا يجيزون الجمع بين الفاعل والمفعول في نعت واحد، فلا يقال: "ضرب زيد عمرا الظريفان" وجوز ذلك هشام مع اختيار الرفع٦.

وكان يذهب إلى أن الواو العاطفة للجمل تغني غناء الضمير في الربط بين المبتدأ وخبره, فيقال مثلا: "زيد جاءت هند وأكرمها" ومنع ذلك الجمهور؛ لأنه لم يرد به سماع, ولأن الواو إنما تكون للجمع في المفردات لا في الجمل بدليل جواز "هذان: قائم وقاعد" دون: "هذان يقوم ويقعد"٧.

ولعل في كل ما أسلفنا ما يوضح نشاط هشام في درس النحو على ضوء الأشعة التي سالت من آراء الكسائي وأصوله التي وضعها لنحاة الكوفة من بعده، وقد مضى في إثره يُكثر من الاتساع في الرواية والقياس والخلاف على البصريين والنفوذ إلى آراء جديدة، يداخلها كثير من البعد والإغراب.


١ الرضي ٢/ ٣٤٠.
٢ المغني ص٢٢٧، والهمع ٢/ ١٣٨.
٣ المغني ص٤٤٨، ٤٧٨.
٤ يرفد: يعطى.
٥ المغني ص٣٨١، ٧١٦.
٦ الرضي ١/ ٢٩٠.
٧ المغني ص٥٥، والهمع ١/ ٩٨.

<<  <   >  >>