منزله، وأستاذه الكسائي لا يزال على قيد الحياة. وإنما يدفعنا إلى هذا الظن أننا لا نجد أحاديث عنه تدل على كثرة مخالطته للقصر في عصر الرشيد والأمين ورجال دولتهما، وكأنما وجد في الحياة العلمية الخالصة عالمه الذي شغف به وملك قلبه وفؤاده ملكا صرفه عن العالم الخارجي وكل ما كان يجري فيه. وقد مضى ينفق أيامه في مراجعة كتاب سيبويه وتسجيل ملاحظاته عليه, كما مضى يحاول التصنيف لطلابه في اللغة والنحو والدراسات المتصلة بالقرآن الكريم، وكثرت تصانيفه، من مثل كتاب لغات القرآن وكتاب المصادر في القرآن وكتاب الجمع والتثنية في القرآن وكتاب اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف وكتاب الوقف والابتداء في القرآن, ومثل كتاب آلة الكتاب وكتاب الفاخر وكتاب النوادر وكتاب مشكل اللغة وكتاب الأيام والليالي والشهور وكتاب الواو وكتاب يافع ويافعة وكتاب المقصور والممدود وكتاب فعل وأفعل وكتاب في النحو سماه الكتاب الكبير.
ويظل في هذه الحياة العلمية الخصبة حتى سنة ٢٠٢ للهجرة، ويحدث أن يكتب إليه عمر بن بكير الراوية الأخباري النسابة، وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل في أثناء نيابته عن المأمون ببغداد حين كان لا يزال بمرو قبل تحوله منها إلى عاصمته: بأن الحسن بن سهل يسأله عن الشيء بعد الشيء من القرآن الكريم فلا يحضره فيه جواب، والتمس منه أن يكتب للناس كتابا، يرجع معهم إليه، وكأنه أثار في نفسه عزيمة كان قد اعتزمها في تصنيف كتاب جامع في القرآن، وسرعان ما عقد للناس مجالس أملى فيها كتابه الرائع "معاني القرآن" وامتدت هذه المجالس من رمضان في السنة المذكورة حتى شهور من سنة ٢٠٤ للهجرة، وهو فيه لا يفسر الذكر الحكيم بالطريقة المعروفة، وإنما يتخير من الآيات على ترتيب السور ما يُدير حوله مباحثه اللغوية والنحوية. وبذلك يحل مشكلها ويوضح غامضها، مدليا دائما بآرائه النحوية، ومعبرا بما اختاره للنحو من مصطلحات جديدة، ناثرا من حين إلى حين آراء أستاذه الكسائي, وآراء النحويين البصريين.
ويقدم المأمون بغداد، ويعقد للعلماء من كل صنف مجالس بحضرته