للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاعل للفعل الثاني، أما الفعل الأول ففاعله مضمر مستتر فيه١. ومر بنا في ترجمة الفراء أنه كان يذهب إلى أن المنادى مبني على الضم، فليس محله النصب كما ذهب إلى ذلك سيبويه وجمهور البصريين، وليس مرفوعا معربا كما ذهب إلى ذلك أستاذه الكسائي٢. ومر بنا أيضا أنه خالفه في أنه لا يصح العطف على اسم إن بالرفع إلا إذا كان اسمها غير واضح الإعراب كأن يكون مبنيا على نحو ما في الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ويوضح ذلك قائلا، رادا على أستاذه: "عطف {وَالصَّابِئُونَ} على {الَّذِينَ} ، و {الَّذِينَ} حرف على جهة واحدة في رفعه وخفضه "أي: إنه مبني لا يتغير آخره" فلما كان إعرابه واحدا وكان نصب إنّ نصبا ضعيفا، وضعفه أنه يقع على الاسم ولا يقع على خبره؛ "لأن الخبر عنده مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول إن، وهو المبتدأ الذي أصبح اسمها" جاز رفع الصابئين، ولا أستحب أن أقول: إن عبد الله وزيدٌ قائمان لتبين الإعراب في عبد الله، وقد كان الكسائي يجيزه لضعف إن، وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب

وليس هذا بحجة للكسائي في إجازته: إن عمرا وزيد قائمان؛ لأن قيارا قد عُطف على اسم مكني عنه "يريد الضمير" والمكني لا إعراب له, فسهل ذلك كما سهل في {الَّذِينَ} إذ عطفت عليه {وَالصَّابِئُونَ} ... وأنشدني بعضهم:

وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما حَيِينا في شقاق

وقال الآخر:

يا ليتني وأنت يا لميس ... ببلد ليس به أنيس٣

وكان يخالف أستاذه أيضا في إعراب الضمير المتصل بأسماء الأفعال في مثل "مكانك" بمعنى قف, و"عندك ولديك ودونك" بمعنى خذ, و"وراءك"


١ الرضي ١/ ٧٠ وما بعدها, والمغني ص٥٤٢، والهمع ٢/ ١٠٩.
٢ الرضي ١/ ١٢٩، والإنصاف المسألة رقم ٤٥.
٣ معاني القرآن ١/ ٣١٠, وانظر المغني ص٥٢٧، والهمع ٢/ ١٤٤.

<<  <   >  >>