للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمعنى تأخر, و"أمامك" بمعنى تقدم, و"عليك" بمعنى الزم, فقد كان الكسائي يذهب إلى أنه مفعول به ومحله النصب، وذهب جمهور البصريين إلى أنه مجرور بالإضافة، بينما ذهب الفراء إلى أنه مرفوع على الفاعلية؛ لأنه قد يليها منصوب مثل: "عليك زيدا"١. ومر بنا أنه كان يوافق أستاذه في أن الأسماء الخمسة تعرب من مكانين، فإذا قلت: "هذا أبوك" كانت علامة الرفع في كلمة "أبوك" الواو والضمة التي قبلها, وإذا قلت: "رأيت أباك" كانت علامة النصب الألف والفتحة التي قبلها، وإذا قلت: مررت بأبيك, كانت علامة الجر الياء والكسرة التي قبلها٢. وذهب سيبويه والبصريون إلى أن تمييز "كم" الخبرية مجرور دائما وإن جاء منصوبا شذوذا، وتمييز "كم" الاستفهامية منصوب دائما إلا إذا جُرت مثل: "بكم درهم اشتريت هذا الكتاب؟ "، وذهب الفراء إلى أنه يجوز في تمييزها جميعا النصب والجر بمن مضمرة٣، وقد علق على كم التكثيرية في الآية الكريمة: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} ملاحظا أن ما يليها قد يأتي مجرورا ومنصوبا ومرفوعا, يقول: "من ذلك قول العرب: كم رجلٍ كريم قد رأيت! وكم جيشا جرارا قد هزمت! وأنشدوا قول الشاعر:

كم عمةً لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت عليَّ عشاري٤

رفعا ونصبا وخفضا، فمن نصب قال: كان أصل كم الاستفهام وما بعدها من النكرة مفسر "مميز" كتفسير العدد، فتركناها في الخبر على جهتها وما كانت عليه في الاستفهام, فنصبنا ما بعد كم من النكرات كما تقول: عندي كذا وكذا درهما. ومن خفض قال: طالت صحبة مِن للنكرة في كم، فلما حذفناها أعملنا إرادتها فخفضنا، كما قالت العرب: إذا قيل لأحدهم: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ عافاك الله، فخفض، يريد: بخير، وأما من رفع فأعمل الفعل الآخر ونوى تقديم الفعل, كأنه قال: كم قد أتاني رجل كريم"٥.


١ الرضي ٢/ ٦٥، والهمع ٢/ ١٠٦، وانظر معاني القرآن ١/ ٣٢٣ حيث صرح بأنه لا يجوز أن يتقدم منصوبها عليها, فلا يقال: زيدا عليك مخالفا بذلك أستاذه، وقارن بالهمع ٢/ ١٠٥.
٢ الهمع ١/ ٣٨، وابن يعيش ١/ ٥٢.
٣ المغني ص٢٠٢، والهمع ١/ ٢٥٤.
٤ فدعاء: معوجة رسغ اليد من كثرة الحلب، والعشار: جمع عشراء وهي الناقة الحامل في شهرها العاشر.
٥ معاني القرآن ١/ ١٦٨.

<<  <   >  >>