للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكأنه كان يجوِّز الرفع مع كم التكثيرية على هذا الوجه الذي خرج به الرفع في البيت. ويبدو أنه لم يكن يأخذ بفكرة التقدير في الجار والمجرور والظرف حين يقعان خبرا أو نائب فاعل أو صفة أو حالا، فقد كان البصريون يقدرون أنهما متعلقان بمحذوف تقديره: استقر أو مستقر، أما هو فقد مر بنا أنه كان يعرب الظرف حين يقع مبتدأ في مثل: "محمد عندك" خبرا منصوبا بالخلاف, وطبيعي أن يمد ذلك في مواضعه الأخرى. أما الجار والمجرور فكان يجعل الجار هو الخبر في مثل: الكتاب لك كما كان يجعله في محل نصب في مثل: مر زيد بعمرو، ومن هنا جعله نائب الفاعل مع الفعل اللازم حين يُبنَى للمجهول مثل: "مُر بعمرو"١. ولعله من أجل ذلك كان يسميه الصفة على نحو ما مر بنا آنفا. وبذلك نفهم إعرابه مثل: "كل رجل وصنعته" فقد كان سيبويه والبصريون يقدرون الخبر محذوفا تقديره: مقترنان، وكان يذهب إلى أن الخبر لم يحذف، وإنما أغنت عنه الواو فكأنها هي الخبر، وبذلك تكون هي الرافعة للمبتدأ، إذ هو وخبره يترافعان, أو بعبارة أخرى: كلاهما يرفع صاحبه، يقول تعليقا على قول بعض الشعراء:

هلا التقدمُ والقلوبُ صِحاحُ

بم رُفع التقدم "أي: المبتدأ"؟ قلت: بمعنى الواو في قوله: "والقلوب صحاح", كأنه قال: "العظة القلوب فارغة" و"الرطب والحر شديد"٢, ومعنى ذلك كله أن الحروف عنده كانت تعرب إعراب الأسماء حين تطلبها العوامل. وكان يذهب إلى أن الفاء العاطفة لا تفيد الترتيب أحيانا كقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا} ٣ وفي الوقت نفسه ذهب إلى أن الواو العاطفة قد تفيد الترتيب٤، مما جعل ابن هشام يعمم عنده قائلا: "وقال الفراء: إن الفاء لا تفيد الترتيب مطلقا، وهذا مع قوله: إن الواو تفيد الترتيب غريب"٥. وكان سيبويه والبصريون يرون أن "أو" لا تأتي للإضراب بمعنى بل إلا إذا تقدمها نفي أو نهي، وذهب الفراء إلى أنها تأتي للإضراب مطلقا دون شرط, محتجا بقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى


١ الهمع ١/ ١٦٣.
٢ معاني القرآن ١/ ١٩٨، وانظر الرضي ١/ ٩٧، والهمع ١/ ١٠٥.
٣ معاني القرآن ١/ ٣٧٢.
٤ المغني ص٣٩٢، والهمع ٢/ ١٢٩.
٥ المغني ص١٧٣.

<<  <   >  >>