سيال بالخواطر التي تَفِد عليه من كل صوب، من ذلك توجيهه لإعراب "أي" في قراءة من رفعها في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} ومعروف أن قراءتها بالنصب واضحة، إذ تكون مفعولا للفعل ننزعن، أما بالرفع فذهب الخليل إلى أنها استفهامية ومفعول الفعل محذوف، والتقدير: لننزعن الفريق الذين يقال فيهم: أيهم أشد. وقال يونس: بل المفعول جملة {أَيُّهُمْ} والفعل معلق عنها كما يعلق في باب ظن حين تدخل هي وأخواتها على جملة استفهامية، وذهب سيبويه إلى أنها أي الموصولة مبنية على الضم وحذف صدر صلتها، والتقدير: لننزعن الذي هو أشد. وقال الكسائي والأخفش:{مِنْ} في الآية زائدة, و {كُلِّ شِيعَةٍ} هي المفعول به، وجملة أي مستأنفة. ثم جاء الفراء فعرض فيها ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن يكون الفعل واقعا على موضع {مِنْ} تمشيا مع رأيه في أن الحروف تعرب حسب العوامل التي تطلبها، وكأن {مِنْ} هي مفعول ننزع، ويمثل لذلك بقولهم:"قد قتلنا من كل قوم" و"أصبنا من كل طعام"، ثم تستأنف بعد ذلك جملة:{أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} بتقدير فعل محذوف عامل فيها هو ننظر أي: ننظر أيهم أشد على الرحمن عتيا. والوجه الثاني: أن يكون تقدير الآية: ثم لننزعن من الذين تشايعوا على هذا، ينظرون بالتشايع أيهم أشد على الرحمن عتيا، فتكون أي في صلة التشايع. والوجه الثالث: أن يكون التقدير: ثم لننزعن من كل شيعة بالنداء، أي: لننادين أيهم أشد على الرحمن عتيا١.
ومن ذلك تعليقه على الآية الكريمة:{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فقد وقف بإزاء {أَنْ} في قوله تعالى: {بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ} , ملاحظا أنها تفيد الجزاء مثل إن، ومن هنا كانا يتعاوران الموضع الواحد في الكلام، ويفرق بينهما في الاستعمال على هذا النحو: "إذا كان الجزاء لم يقع عليه شيء قبله, وكان ينوى بأن الاستقبال كسرتَها وجزمت بها فقلت: أكرمك إنْ تأتني، فإن كانت ماضية قلت: أكرمك
١ معاني القرآن ١/ ٤٧، وانظر مجالس العلماء للزجاجي ص٣٠١، والمغني ص٨١.