للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعلنا لا نغلو إذا قلنا بعد ذلك: إن أكثر الأصول التي اعتمدها ابن جني في كتابه الخصائص إنما استمدها من إملاءات أبي علي أستاذه وملاحظاته. وإذا رجعنا إلى آرائه النحوية وجدناه في طائفة منها ينصر الخليل وسيبويه، وغيرهما من البصريين، وفي طائفة أخرى ينتصر للكوفيين، ويكفي أن ندل على ذلك ببعض الأمثلة، فمما انتصر فيه للخليل أن لا النافية قد تأتي زائدة كما في قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} ١. وانتصر له ولسيبويه في تحليل {وَيْكَأَنَّهُ} في قوله جل شأنه: {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} إذ كانا يذهبان إلى أن "ويْ" مفصولة بمعنى أعجب, وذهب الأخفش إلى أنها موصولة بالكاف, أي: "ويك أنه لا يفلح الكافرون" وويك عنده بمعنى أعجب، وعلق أن وما بعدها بما في ويك من معنى الفعل. ووقف أبو علي مع الخليل وسيبويه مؤكدا أن "كأن" قد تأتي كالزائدة، وأنشد في ذلك بيت عمر بن أبي ربيعة:

كأنني حين أمسي لا تكلمني ... ذو بغية يشتهي ما ليس موجودا

أي: أنا كذلك٢. وكان سيبويه يذهب إلى أن "إذ ما" حرف شرط مثل إن، وذهب المبرد وابن السراج -وتابعهما أبو علي- إلى أنها ظرف مثل إذ٣. وقد أجاز مع الأخفش والكوفيين ترك صرف ما ينصرف في ضرورة الشعر٤.

وعلى نحو ما كان ينتخب لنفسه من الآراء البصرية كان ينتخب من الآراء الكوفية ما صح في قياسه، من ذلك أنه كان يقف مع الكوفيين في إعمال الفعل الأول في باب التنازع, مستدلا بقول امرئ القيس:

ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال٥

وكان يتابعهم في إعمال إِنِ النافية عمل ليس لما رووا عن بعض أهل العالية في نجد من قولهم: "إن أحدٌ خيرا من أحد إلا بالعافية"٦. وتابعهم في أن


١ المغني ص٢٧٨.
٢ الخصائص ٣/ ١٧٠.
٣ المغني ص٩٢.
٤ ابن يعيش على المفصل ١/ ٦٨.
٥ المغني ص٥٦٣.
٦ همع الهوامع ١/ ١٢٤.

<<  <   >  >>