للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتركيب المزجي. وكان الجمهور يذهب إلى أنها تنقسم إلى معنوية هي العلمية والوصفية، ولفظية وهي البقية. وذهب ابن جني إلى أنها جميعا معنوية ما عدا وزن الفعل في مثل: أحمد ويزيد١. وذهب الجمهور إلى أن اللام تزيد في جواب لو ولولا ولوما مثل: "لو جئت لأكرمتك" و"لولاك لأسرعت"، وذهب ابن جني إلى أنها ليست واقعة في جواب هذه الأدوات، بل هي لام جواب قسم مقدر٢. ومر بنا رأي أستاذه أن ما قد تكون ظرفية زمانية، وأشرك ابن جني معها في ذلك أَنْ بفتح الهمزة، مستشهدا بقول بعض الشعراء:

وتالله ما إن شهلة أم واحد ... بأوجد مني أن يهان صغيرها٣

وكان سيبويه يذهب إلى أن كلمة خرب في قولهم: "هذا جحر ضب خرب" مجرورة على الجوار لضب؛ لأنه كان ينبغي أن ترفع، إذ هي صفة لجحر. وقال ابن جني: بل هي مجرورة على الأصل، إذ أصل التعبير: "هذا جحر ضب خرب جُحْره" فحُذف المضاف وأُنيب المضاف إليه في "جحره" وهو الضمير، فارتفع واستتر في خرب، فهو صفة لجحر على تقدير حذف المضاف، وهو تأويل بعيد٤.

ومن طريف ما هدته إليه بصيرته النافذة أن الأصل في ظهور اللغات إنما هو اشتقاق كلماتها من الأصوات المسموعة، يقول في فواتح كتابه الخصائص: "ذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدويّ الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشَحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونَزيب "صوت" الظبي ونحو ذلك، ثم وُلدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل"٥. وقد مضى في الخصائص يثبت ذلك من حين لآخر كقوله عن الأفعال: إنه كثُر اشتقاقها من الأصوات الجارية مجرى الحروف مثل "هاهيت" من قولهم في زجر الإبل: هاها، و"عاعيت" في زجر الغنم من قولهم: عاعا, و"حأحأت" في زجر الكبش من قولهم: حاحا، و"شأشأت" في


١ الخصائص ١/ ١٠٩.
٢ المغني ص٢٥٩.
٣ المغني ص٣٣٨, والشهلة: العجوز، وأوجد: أكثر وجدا.
٤ الخصائص ١/ ١٩٢.
٥ الخصائص ١/ ٤٦ وما بعدها.

<<  <   >  >>