للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زجر الحمار من قولهم: شأشأ. ويقول: هذا كثير في الزجر، وقد صنفت فيه كتابا١. ويذكر في موضع آخر أن العرب قد تسمي الأشياء بأصواتها كالخازِ بازِ "الذباب" لصوته، والبط لصوته، والواق للصرد "طائر فوق العصفور" لصوته، وغاق للغراب لصوته، والشيب لصوت مشافر الإبل٢.

ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إنه هو الذي عمل على تثبيت قانوني الاشتقاق الأكبر والتضمين، ومر بنا أنه كان يريد بالأول التقاليب الستة للأصل الثلاثي لأي كلمة, وبيان أنه يجمعها هي ومشتقاتها معنى واحد، وحقا سبقه الخليل -كما مر بنا في ترجمته- إلى بناء معجم العين على تقليب الأصل الثلاثي للكلمة في صوره الست، ولكنه لم يفكر في أنها هي واشتقاقاتها يمكن أن يجمعها معنى واحد. وقد اعترف في فاتحة حديثه عنه بأن الفارسي كان يستعين به، ولكنه لم يحاول تسميته ولا تأصيله وتطبيقه، إنما هو الذي نهض بذلك، فهو الذي سماه، وهو الذي جسمه في أمثلة مختلفة، منها "ك ل م" وتقليباتها ومشتقاتها وقد رجعها إلى معنى القوة والشدة، ورجع "ق ول" وتقليباتها ومشتقاتها إلى معنى الإسراع والخفة، كما رجع تقليب "ج ب ر" إلى معنى الشدة والقوة، ومثلها مشتقاتها، ورجع تقليب "ق س و" ومشتقاتها إلى معنى القوة والاجتماع، كما رجع تقليب "س ل م" ومشتقاتها إلى معنى الإصحاب والملاينة٣, وتوقف في كتابه المحتسب ليطبق ذلك على "حجر" وتقليبها ومشتقاتها مبينا أنها تعود جميعا إلى الشدة والضيق والاجتماع٤, وأوضح أيضا أن "ج د ل" وتقليباتها ومشتقاتها تعود إلى القوة٥.

وعلى نحو ما عُني بالاشتقاق الأكبر وتطبيقاته على بعض الأبنية، عُني بالتضمين، وهو أن تشرب لفظا معنى لفظ وإذا كان فعلا أو مصدرا أُعطي حكمه، فعُدي بما يعدى إليه. وحقا لاحظ ذلك سيبويه والكسائي في بعض الأمثلة بشهادته، كما لاحظه أبو علي الفارسي٦، ولكنه هو الذي كشفه وأوضحه في أمثلة كثيرة من مثل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} يقول: الرفث يتعدى


١ الخصائص ٢/ ٤٠.
٢ الخصائص ٢/ ١٦٥, وانظر ٣/ ٢٣١.
٣ انظر الخصائص ٢/ ١٣٣ وما بعدها.
٤ المحتسب ١/ ٢٣١.
٥ المحتسب ١/ ٣٢١.
٦ انظر الخصائص ٢/ ٣١١، ٣٨٩.

<<  <   >  >>