للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأبو البقاء١ العكبري النحوي الضرير، بغدادي مثل سالفيه، ولد سنة ٥٣٨ وتوفي سنة ٦١٦ للهجرة، وصلته بالشيخين أبي علي الفارسي وابن جني تتضح في شرحه لإيضاح الأول ولمع الثاني، وأيضا في مصنفاته: "الإفصاح عن معاني أبيات الإيضاح" و"تلخيص أبيات الشعر لأبي علي" و"تلخيص التنبيه لابن جني" و"المنتخب من كتاب المحتسب". وله مؤلفات مختلفة في النحو وعلله ومسائل الخلاف فيه. وكان يعنى بقراءات الذكر الحكيم ونُشر له في مصر كتاب إعراب القرآن والقراءات في جزأين، وهو من صفحاته بل سطوره الأولى يجري في إعراب الألفاظ على المذهب البصري فالمبتدأ مرفوع بالابتداء وهلم جرا، ويتوقف مرارا ليرد على الكوفيين بعض وجوههم في الإعراب، وإذا رجعنا إلى آرائه المنثورة في كتب النحو وجدناه يتبع الفارسي في كثير منها، فقد كان يرى رأيه ورأي الفراء قبله في أن "لو" تأتي مصدرية غير عاملة في مثل: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} ويشهد لهم قراءة بعضهم: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُوا} بحذف نون الفعل الأخير؛ لعطفه بالنصب على {لَوْ تُدْهِنُ} وكأنها في مكان: أن تدهن٢. ورأى رأي الفارسي أيضا في أن ما قد تأتي زمانية على نحو إتيانها في الآية الكريمة: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} أي: استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم٣. وتابعه في إعراب ذلك في قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} صفة للباس، والمشهور أنها بدل أو بيان٤. وكان يختار لنفسه أحيانا من آراء الكوفيين، فقد كان يمنع مثل ثعلب أن تكون منذا مركبة تركيب ماذا بحيث يمكن إعرابها في مثل: "منذا لقيت" مفعولا به، وهي عندهما مبتدأ وخبر، وذا اسم موصول، ولقيت صلته، وكان يعلل لذلك بأن ما أكثر إبهاما من أختها مَنْ، فحسن أن تُجعل مع غيرها كشيء واحد، ولأن التركيب خلاف الأصل٥. وهو بذلك بغدادي من مدرسة أبي علي الفارسي، التي كانت تعول على الاختيار والانتخاب من آراء النحاة السابقين، ومن ثم كان الدكتور مصطفى جواد محقا حين اتهم نسبة شرح ديوان المتنبي المطبوع


١ انظر في ترجمة أبي البقاء العكبري: إنباه الرواة ٢/ ١١٦، وابن خلكان ١/ ٢٦٦، ونكت الهميان ص١٧٨، وشذرات الذهب ٥/ ٦٧، وبغية الوعاة ص٢٨١.
٢ المغني ص٢٩٤.
٣ المغني ص٣٣٥.
٤ المغني ص٥٥٣.
٥ المغني ص٣٦٤.

<<  <   >  >>