للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا أخذنا نتعقب آراءه وجدناه يمثل الطراز البغدادي الذي رأيناه عند أبي علي الفارسي وابن جني، فهو في جمهور آرائه يتفق ونحاة البصرة الذين نهجوا علم النحو ووطئوا الطريق إلى شعبه الكثيرة، ومن حين إلى حين يأخذ بآراء الكوفيين أو بآراء أبي علي أو ابن جني، وقد ينفرد بآراء خاصة به لم يسبقه آحد من النحاة إليها. ويكفي أن نرجع إلى المفصل فسنراه يضع كتاب سيبويه نصب عينيه، حتى ليصبح ملخصا له أحيانا على نحو ما يلقانا في باب المفعول المطلق وصوره الكثيرة، وغالبا ما يتابعه في آرائه النحوية، ونضرب لذلك بعض الأمثلة من القسم الأول من كتابه ومن صُحُفه الأولى التي شرحها ابن يعيش، فمن ذلك متابعته له في أن الفعل الثاني هو العامل في باب التنازع١ وأن مثل: "هل زيد قام؟ " تعرب فيه زيد فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور لا مبتدأ كما ذهب الكوفيون٢، وكذلك متلوّ إن الشرطية في مثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} ٣. واختار رأيه في أن متلو لولا في مثل: "لولا علي لسافرت" مبتدأ خبره محذوف٤, وفي أن خبر إن وأخواتها مرفوع بها لا بما كان مرتفعا به قبل دخول إن كما زعم الكوفيون٥، وفي أن الناصب للمنادى ما ينوب عنه حرف النداء وهو الفعل مثل: أريد وأدعو٦. وجعله تشرب روحه للمذهب البصري يعبر عن البصريين كما عبر عنهم أبو علي الفارسي وابن جني باسم أصحابه، فهو في أغلب أحواله إما أن ينزع عن قوسهم جميعا، وإما أن ينزع عن قوس بعضهم كأخذه برأي الخليل في أن الفاعل أصل المرفوعات والمبتدأ محمول عليه، وكان سيبويه -كما أسلفنا منذ قليل- يذهب إلى العكس٧، وكأخذه برأي الأخفش في أن الكاف تأتي في النثر كثيرا مرادفة لمثل، فتعرب إعرابها وتخرج عن حرفيتها، وبذلك جوزا أن تعرب في مثل: "زيد كالأسد" خبرا لزيد مضافا للأسد٨، وكأخذه برأي المبرد في أن لفظ "الآن" مبني؛ لأنه استعمل من أول وضعه بالألف واللام، ولم يستعمل نكرة٩، وكأخذه


١ انظر ابن يعيش على المفصل ١ /٧٧.
٢ ابن يعيش على المفصل ١/ ٨١.
٣ ابن يعيش على المفصل ١/ ٨٢.
٤ ابن يعيش على المفصل ١/ ٩٥.
٥ ابن يعيش على المفصل ١/ ١٠١.
٦ ابن يعيش على المفصل ١/ ١٢٧.
٧ ابن يعيش على المفصل ١/ ٧١، وقابل بالهمع ١/ ٩٣.
٨ ابن يعيش على المفصل ٨/ ٤٢.
٩ ابن يعيش ٤/ ١٠٣.

<<  <   >  >>