للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لو وُصِل بحرف بعده, فإننا حينئذ لا نتمكن من إشباع الصوت، إذ نتهيأ للنطق بصوت الحرف التالي له. وثاني هذه الجوانب وصف الأجراس الصوتية للحروف من همس وجهر وشدة ورخاوة واستعلاء واستفال، مما يتناثر في صحف كتاب سيبويه، وجعله ذلك يقف عند أصوات الحركات وما يداخلها من إمالة وروم وإشمام. والإمالة معروفة، والروم حركة مختلسة ضعيفة، أما الإشمام فهو أن تذيق الحرف الضمة أو الكسرة بحيث لا تكاد تُسمَع وإنما تُرَى في حركة الشفة، فهو أقل من الروم همسا وخفة. وأما الجانب الثالث فهو ما يحدث للصوت في بنية الكلمة من تغير يفضي إلى القلب أو الحذف أو الإعلال أو الإبدال أو الإدغام، وقد عرض على هذا الجانب مادة اللغة عرضا تدافعت سيوله وأمواجه تدافعا عند سيبويه. وجعله عمق نظره في هذه الجوانب الصوتية وخاصة الجانب الثاني, يحاول أن يصوغ شكل الأصوات صياغة دقيقة، مما جعله يدخل على النقط أو الإعجام علامات للروم والإشمام والتشديد والهمزة المتصلة والمنقطعة١، واخترع علامات الضبط التي لا نزال نستعملها إلى اليوم, إذ أخذ من حروف المد صورها مصغرة للدلالة عليها، فالضمة واو صغيرة في أعلى الحرف لئلا تلتبس بالواو المكتوبة، والكسرة ياء متصلة تحت الحرف، والفتحة ألف مبطوحة فوقه٢. وكان له في النقط والشكل كتاب اتخذه الأسلاف إمامهم مددا متطاولة من الزمن. وما زال يوالي هذا النشاط العقلي والعلمي حتى توفي سنة ١٧٥ للهجرة.


١ المحكم في نقط المصاحف للداني ص٦.
٢ الداني ص٧.

<<  <   >  >>