للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكتب مثلا يوضع معها: كبت، وتكب، وتبك، وبكت، وبتك. وبذلك حصر في المعجم جميع الكلمات التي يمكن أن تقع في العربية، مميزا دائما بين ما استعملته العرب منها وما أهملته ولم تنطق به، على نحو ما ميز في العروض بين الأوزان المستعملة والأخرى المهملة. ورأى أن يكون ترتيب الكلمات في المعجم على مخارج الحروف ومواقعها من الجهاز الصوتي وهو الحلق واللسان والفم والشفتان، بادئا بحرف العين وبه سماه. وهو صنيع يلتقي فيه بصنيع الهنود في ترتيبهم لحروف لغتهم السنسكريتية وربما عرف ذلك من بعض نازلتهم في موطنه، وهي في معجمه مرتبة على هذا النحو١:

العين، الحاء، الهاء، الخاء، الغين، القاف، الكاف، الجيم، الشين، الضاد، الصاد، السين، الزاي، الطاء، الدال، التاء، الظاء، الذال، الثاء، الراء، اللام، النون، الفاء، الباء، الميم، الياء، الواو، الألف.

وهو ترتيب أساسه كما ذكرنا آنفا مخارج الحروف ومدارجها، وهي عنده سبعة عشر مخرجا موزعة على الجوف والحلق وأول الفم ومناطق اللسان وحافته وطرفه والثنايا والشفة السفلى والشفتين. واتهم القدماء مادة هذا المعجم وقالوا: إنها ليست من عمله، وإنما هي من عمل تلميذه الليث بن رافع باسطين في ذلك أدلة قوية٢، غير أنهم اتفقوا على أنه هو الذي رسم منهجه له، لما لاحظوه من التقاء منهجه بمنهج علم العروض الذي رسمه، وقيام المنهجين جميعا على أساس نظرية التباديل والتوافيق الرياضية.

ويظهر أنه عرف المباحث الصوتية عند الهنود وكانت قد نمت عندهم نموا واسعا٣، وأضاف على ضوئها مادة صوتية غزيرة, نقل منها تلميذه سيبويه في كتابه نقولا كثيرة، كما نقلت منها الكتب المتأخرة، وهي ترد إلى ثلاثة جوانب، أولها ذوق أصوات الحروف عن طريق فتح الفم بألف مهموزة يليها الحرف المذاق ساكنا، فيقال في الباء: أبْ وفي التاء: أتْ وهلم جرا٤. وبذلك يتضح صوت الحرف بالوقوف عليه ساكنا والمكث عنده قليلا، بخلاف ما


١ انظر ذلك في مقدمة لسان العرب.
٢ المزهر للسيوطي "طبعة الحلبي" ١/ ٧٧ وما بعدها.
٣ راجع التطور النحوي للغة العربية لبرجشتراسر ص٥.
٤ مقدمة لسان العرب.

<<  <   >  >>