للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القياس وما يتصل به من علل ويكتفي بالظاهر من القرآن والحديث. وقد استلهم ابن مضاء هذه الثورة لا في حملة على الفقه والفقهاء، وإنما في حملة على النحو والنحاة من حوله، إذ وجد مادة العربية تتضخم بتقديرات وتأويلات وتعليلات وأقيسة وشعب وفروع وآراء لا حصر لها ولا غناء حقيقيا في تتبعها أو على الأقل في تتبع الكثير منها، فمضى يهاجمها في ثلاثة كتب، هي: "المشرق في النحو" و"تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان" وكتاب "الرد على النحاة" وهو -وحده- الذي بقي من آثاره. وفيه١ يهاجم نظرية العامل التي عقّدت النحو وأكثرت فيه من التقديرات والمباحث التي لا طائل وراءها في رأيه، والمتكلم في الحقيقة كما لاحظ ابن جني٢ هو الذي يعمل الرفع والنصب والجر في الكلام. ويفصّل القول فيما أدخلته هذه النظرية على النحو من عقد التقديرات على نحو ما هو معروف في العوامل المحذوفة مما يبعد الصيغ عن وجهها الطبيعي، ويدفع إلى تمحلات لا داعي لها كتقدير أن الظرف والجار والمجرور إذا وقعا أخبارا أو صلات أو أحوالا يتعلقان بعامل محذوف ولا حذف هنا ولا عامل -في رأيه- ولا عمل. ولا يلبث أن ينكر أن يكون في قام من قولك: "زيد قام" ضمير مستتر فاعل فهي فعل ولا فاعل له، كما لاحظ ذلك من قبله الكسائي في مثل "كلمني وكلمت محمدا", فقد ذهب كما مر بنا في غير هذا الموضع إلى أن فاعل كلمني محذوف ولا فاعل لها، غير أن ابن مضاء يتسع بذلك كما في المثال السابق. ويذهب إلى أن ضمائر التثنية والجمع في مثل: "قاما وقاموا وقمن ويقومون" ليست ضمائر, بل هي علامات تدل على التثنية والجمع، وهو في ذلك يستضيء برأي الأخفش الذي عرضنا له فيما أسلفنا من الحديث. ولكي يوضح فساد نظرية العامل وأنها دفعت النحاة أحيانا إلى رفض بعض أساليب العرب ووضع أساليب مكانها لا يعرفها العرب الجاهليون والإسلاميون, دَرَسَ باب التنازع دراسة مفصلة موضحا ما جلبه فيه النحاة من صيغ معقدة عسرة لم ينطق بها العرب ولا وقعت في أوهامهم، واستضاء في ذلك بما مر بنا عند الجرمي من منعه التنازع في الأفعال التي تتعدى


١ انظر في تحليل هذا الكتاب وصلته بالمذهب الظاهري دراستنا له في مدخله, وهو مطبوع بدار الفكر العربي في القاهرة.
٢ انظر الخصائص ١/ ١٠٩ وما بعدها.

<<  <   >  >>